شهدت الجزائر خلال عام 2008 عدة إنجازات جديدة، دعمت سلسلة المكاسب والتطورات التي تعرفها البلاد منذ نحو عشرية من الزمن، مكاسب تعززت هذا العام بإجراءات دستورية جديدة، جاءت لتدعم مسيرة بناء دولة الحق والقانون المتأصلة والعصرية والوفية لمبادئها الثورية، وإنجازات جديدة تعد لبنة إضافية في مسار النتائج الإيجابية المتواصلة التي تحققها جهود التنمية الوطنية المدعومة باستقرار المؤشرات الاقتصادية والمالية والتدابير الوقائية الحكيمة التي منعت البلاد من الآثار الوخيمة للأزمة العالمية. فإذا كانت سائر بلدان العالم، وخاصة منها البلدان المتقدمة، قد انهت عام 2008 وهي تراجع بحسرة فاتورة الخسائر الباهظة التي تسببت لها فيها الازمتان العالميتان المالية والاقتصادية، فإن الجزائر، ولله الحمد، أنهت عامها معتزة بالحصيلة المحققة على مختلف الأصعدة، ومتفائلة بغد أفضل حامل لآمال أكبر للسكينة التي سترى قريبا مشاريع برنامج رئيس الجمهورية تتجسد في الميدان، بل وتتدعم ببرامج جديدة لمضاعفة عمليات التنمية، أقرتها خطة عمل الحكومة، التي عرض محاورها الكبرى الوزير الأول وصادق عليها اليرلمان بغرفيتيه في الأيام القليلة الماضية. وبالرغم من تداعيات الأزمة المالية العالمية والصعوبات الظرفية التي مر بها قطاع المحروقات مع التراجع الكبير لأسعار النفط، تتوقع الجهات الوطنية والدولية المختصة، أن تنهي الجزائر عامها بمعدل نمو معتبر يعادل ال6 بالمائة خارج قطاع المحروقات، كما تؤكد بأن الجزائر لن تتأثر في المدى المتوسط من انعكاسات الأزمة العالمية بفضل ما تدبرته السلطات العمومية وعلى رأسها رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، من تدابير حكيمة أثبتت نجاعتها وفعاليتها في حماية الاقتصاد الوطني من التأثيرات الخارجية، فبالإضافة إلى الإجراءات الوقائية التي أقرها الرئيس بوتفليقة منذ عهدته الرئاسية الأولى، على غرار عملية تطهير البنوك ابتداء من 2003 في اطار قانون النقد والقرض المعدل، وانشاء الصندوق الوطني لضبط إيرادات الجباية النفطية، فقد سجلت سنة 2008، التي عرفت تطبيق سعر مرجعي جديد في قانون المالية يعتمد على سعر 37 دولارا لبرميل البترول، خلافا ل19 دولارا المعمول بها في السابق، عدة قرارات صائبة أقرتها الدولة في إطار حماية الاقتصاد الوطني من الاضطرابات المالية الخارجية، من أبرزها قرار توقيف عملية فتح رؤوس أموال البنوك العمومية على غرار القرض الشعبي الوطني، وكذا رفض الرئيس بوتفليقة إنشاء صناديق سيادية لاستثمار مداخيل المحروقات، ومواصلة عملية الدفع المسبق لمديونية الخارجية الذي شرعت فيه في 2005، وتعليماته الصارمة للهيئات التنفيذية والتي تحثهم على توخي سياسة حذرة في ترشيد نفقات التسيير ومحاربة تبذير الموارد، والتعجيل بوتيرة النهوض باقتصاد منتج ومتنوع، إلى جانب انتهاج تسيير عقلاني للمال العام. تعديلان حكوميان وتعديل جزئي للدستور سجل عام 2008 المنصرم بداية مرحلة جديدة في تاريخ الجزائر، مع دخول الدستور الجديد في صيغته المعدلة حيز التنفيذ، بعد مصادقة البرلمان بغرفتيه في نوفمبر المنصرم على التعديلات الجديدة التي أقرها الرئيس بوتفليقة وأكد دستوريتها المجلس الدستوري، وتضمنت هذه التعديلات التي حظيت بترحيب واسع من قبل المجتمعين السياسي والمدني في الجزائر، على اعتبار أنها تعزز المكاسب الديمقراطية وترسخ الثوابت السامية للأمة، 13 مادة أساسية تخص تعديل 11 مادة من ناحية الشكل والمضمون، وإضافة مادة جديدة هي المادة 31 مكرر التي تنص على عمل الدولة على ترقية الحقوق السياسية للمرأة بتوسيع حظوظ تمثيلها في المجالس المنتخبة. كما تم إدراج مادة جديدة تشير إلى استبدال وظيفة "رئيس الحكومة" بوظيفة "الوزير الأول" في نحو 12 مادة تضمنت هذه التسمية، علاوة على إدراج محور حماية رموز الثورة، ضمن المادة الخامسة من الدستور والمادة 62 التي تشير إلى عمل الدولة على ترقية كتابة التاريخ وتعليمه للأجيال الناشئة. كما أضيفت في هذا الصدد جملة سابعة إلى المادة 178 التي تنص على أنه لا يمكن أي تعديل دستوري أن يمس برموز الجمهورية، وأنه "لا يجب المساس بالعلم الوطني والنشيد الوطني باعتبارهما من رموز الثورة والجمهورية". كما تمت الإشارة في تعديل المادة 77 إلى أن "الرئيس هو من يعين الوزير الأول والوزراء وينهي مهامهم.." وتم ضمن تعديل المادة 74 تكريس إرادة الشعب وسلطته في اختيار من يقود مصيره ويجدد فيه الثقة بكل سيادة، مع التنصيص على إمكانية تجديد انتخاب رئيس الجمهورية في نفس المادة. وقد بدأ تطبيق التعديل الدستور الجديد بتعيين رئيس الجمهورية للسيد أحمد أويحي وزيرا أول وتعيين أعضاء الحكومة الجديدة التي لم تطرأ على طاقمها تغيرات كبيرة، ما عدا استبدال وزير الاتصال السيد عبد الرشيد بوكرزازة بكاتب الدولة لدى الوزير الأول مكلف بالاتصال، وهو المنصب الذي أوكل للسيد عز الدين ميهوبي، وباشرت الحكومة عملها بتحضير مشروع مخطط العمل الخاص باستكمال تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية. مع الإشارة إلى ان هذا التعديل الحكومي كان الثاني من نوعه خلال سنة 2008، التي عرفت تعديلا حكوميا في شهر جوان تم خلاله استبدال السيد عبد العزيز بلخادم الذي عين وزير دولة ممثلا شخصيا لرئيس الجمهورية بالسيد أحمد اويحيى في منصب رئيس الحكومة، بينما تم استبدال وزير النقل السيد محمد مغلاوي لأسباب صحية بوزير الصحة السابق السيد عمار تو واستبدال وزير البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال السيد بوجمعة هيشور بالسيد حميد بصالح ، وإنهاء مهام الوزيرة المنتدبة المكلفة بالإصلاح المالي السيدة فتيحة منتوري. تفعيل السلم والمصالحة الوطنية تعتبر سنة 2008 من أكثر السنوات استقرارا على الجبهة الأمنية، بفضل التحكم الكبير لمصالح الأمن في تسيير عمليات تضييق الخناق على المجموعات الإجرامية، وتفكيك العديد من الخلايا الانتحارية، الأمر الذي أدى إلى تراجع العمليات الإرهابية، لا سيما بالعاصمة التي لم تسجل بها أية عملية بعد تلك التي استهدف فيها الإرهابيون مقري المجلس الدستوري وممثلية الاممالمتحدة في 11 ديسمبر 2007، مما يجعل السنة من أهدأ السنوات على الصعيد الأمني. وحسب التقارير الأمنية فقد تمكنت قوات الأمن المختلفة خلال هذا العام من القضاء على 185 إرهابيا من ضمنهم قياديون وأمراء بمختلف جهات الوطن. وإلى هذا المؤشر الإيجابي جاء تأكيد رئيس الجمهورية خلال افتتاحه للسنة القضائية في أكتوبر 2008، بأن الدولة ستبقى متشبثة بعهدها ، المتضمن تنفيذ تدابير ميثاق السلم والمصالحة الوطنية وتعزيزه، ثم تعليماته الأخيرة للوزير الأول وحكومته القاضية بضرورة تفعيل أداء اللجنة الوطنية لتطبيق تدابير الميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية وتسريع وتيرة معالجة المستفيدين، من خلال رفع العقبات البيروقراطية وتحسيس المعنيين المتأخرين عن الاستفادة من الإجراءات والحقوق التي يكفلها لهم الميثاق. إحصاء عام للسكان والسكن نظمت الجزائر بداية من 16 أفريل 2008، خامس احصاء وطني للسكان والسكن في تاريخها منذ الاستقلال، وأفضت نتائج العملية إلى تحديد عدد الجزائريين الذي بلغ 34,8 مليون نسمة، يسكن 80 بالمائة منهم في المدن الساحلية.. وهو ما يؤكد أهمية السياسة الوطنية التنموية التي شرعت الدولة في التخطيط لها من اجل إعادة التوازن الديمغرافي عبر مناطق الوطن، ولا سيما من خلال تهيئة مناطق الهضاب العليا وإعادة التوزيع السكاني على مناطق الهضاب ومناطق الجنوب وجعلها أكثر استقطابا للتنمية. كما كشفت نتائج الإحصاء أن هناك 1,5 مليون وحدة سكنية شاغرة على المستوى الوطني، يعود عدد معتبر منها إلى ظاهرة النزوح الريفي التي ارتفعت بنسبة 27 بالمائة لأسباب اقتصادية وأمنية. تقدم مستوى إنجاز المنشآت الاقتصادية والاجتماعية مع نهاية سنة 2008 يكون مستوى تقدم ورشات البرنامج الرئاسي قد بلغ مرحلة الحسم، ولا سيما في قطاعات السكن والأشغال العمومية والنقل والصحة والتربية والتعليم، التي تتأهب لتسليم أكبر الحصص من المشاريع خلال العام القادم. ففي قطاع النقل تعرف مشاريع تنفيذ برنامج المليون سكن في الميدان، تقدما بمستوى يفوق ال57 بالمائة، فمنذ سنة 2004 التي أعلن فيها بداية تطبيق برنامج الرئيس المتضمن انجاز 1,4 مليون وحدة سكنية على المستوى الوطني، وإلى غاية نهاية سبتمبر 2008، بلغ عدد السكنات المسلمة من قبل قطاع السكن والعمران، 749907 وحدة سكنية منها 143215 وحدة سكنية تم توزيعها في سنة 2008 وحدها، وتشمل أكثر من 28 ألف وحدة سكنية من نمط السكن العمومي الإيجاري أو ما كان يعرف بالسكن الاجتماعي، 21746 وحدة سكنية تساهمية، قرابة 79 ألف مسكن ريفي و722 وحدة من صيغة البيع بالإيجار. في حين بلغ عدد السكنات الجاري انجازها إلى غاية 30 سبتمبر من السنة الجارية 533509 سكنات. وبالموازاة مع سير الورشات في الميدان، عززت الدولة وفقا لتعليمات رئيس الجمهورية. السيد عبد العزيز بوتفليقة. القاعدة التشريعية التي تؤطر القطاع بقوانين جديدة لترقية طبيعة ونوعية العمران في الجزائر، شملت علاوة على رفع الحد الأقصى لأجر المستفيدين من السكن الاجتماعي الإيجاري من 12 ألف دينار إلى 24 ألف دينار شهريا، رفع قيمة مساعدة الدولة الممنوحة عبر الصندوق الوطني للسكن للمستفيدين من السكن التساهمي إلى 700 ألف دينار وتسوية وضعية السكنات غير المنتهية، وكذا مراقبة سوق المواد الأساسية للبناء، وإعداد بطاقية وطنية للسكن، تسمح بضبط المستفيدين والتحكم أكثر في توزيع السكنات. انجازات معتبرة في قطاع الأشغال العمومية من جانب آخر، بلغ مستوى تطبيق برنامج رئيس الجمهورية في قطاع الأشغال العمومية ال97 بالمائة، وحقق القطاع الذي يسجل أعلى مستويات النمو خارج قطاع المحروقات، والمرتقب أن تصل إلى 11 بالمائة هذا العام أيضا، إنجازات معتبرة هذه السنة، كان ابرزها تسليمه لمشروع جسر وادي الرخام الذي دشنه الرئيس بوتفليقة هذا العام ويعتبر من اكبر الجسور في القارة الإفريقية، علاوة على نفق عين شريكي المقرر تسليم شطره الثاني في الأسابيع القليلة القادمة، وقد استمر القطاع في حصيلته الايجابية هذه السنة مع تسليمه ل12 كلم جديدة من مشروع الطريق السيار شرق - غرب، الذي عرف تقدما ايجابيا في الميدان بعد فتح كل رواقه الممتد من الحدود الشرقية للجزائر إلى حدودها الغربية على طول 1216 كلم، كما سلم القطاع 83 كلم من الطرق الاجتنابية و264 كلم من الطرق الوطنية و135 كلم من الطرق الولائية و250 كلم من الطرق البلدية، و112 منشأة فنية، مع إنهائه لعدة عمليات صيانة وتحديث وترميم شملت 10892 كلم من الطرق، 11 منشأة فنية مرفئية و4 منشآت مطارية. وأنهى قطاع النقل هذه السنة عمليات إنجاز وتحديث 276 كلم من السكة الحديدية وعملية كهربة 70 كلم من الخطوط، إضافة إلى تهيئة 16 كلم من السكة في إطار مشروع مترو الجزائر. كما أنهى قطاع التربية الوطنية عام 2008، بزيادة معتبرة في عدد المنشآت البيداغوجية والاجتماعية، شملت 78 ثانوية، 268 إكمالية، 1790 قسم، 80 مؤسسات داخلية و226 مطعم مدرسي ومؤسسة تابعة لنظام نصف الداخلي. بينما استفاد قطاع التعليم والتكوين المهنيين خلال هذه السنة من معهدين جديدين للتكوين المهني و19 مركزا للتعليم والتكوين المهني و48 مؤسسة داخلية. وقد بلغت نسبة النجاح في شهادة البكالوريا هذا العام أعلى النسب الوطنية، بتحقيق 55,2 بالمائة. ومن جهته، حقق قطاع التعليم العالي الذي تعد التحديات التي يحملها من أكبر التحديات التي تعمل الدولة على رفعها تحضيرا للعدد الهائل من الطلبة الذي سيصل إلى مليوني طالب في غضون 2015، إنجازات معتبرة في سنة 2008، تضمنت على وجه الخصوص انجاز 46010 مقعد بيداغوجي، 40750 مكان للإيواء و28 مطعما جامعيا. كما استلم قطاع الشباب والرياضة خلال 2008، ملعبا متعدد الرياضات و37 مركبا رياضيا جواريا و8 قاعات متعددة الرياضات، علاوة على 220 فضاء جواري للعب و9 مسابح و11 دورا للشباب. وأنهى قطاع الموارد المائية السنة بإنجاز سد جديد و64 مشروعا للتزويد بالماء الشروب و164 مشروع للتطهير و3 محطات تصفية و89 خزانا و128 بئر و5 حواجز مائية ومحطة جديدة لتحلية مياه البحر. قطاع الصحة وإصلاح المستشفيات تدعم من جهته في 2008 ب3 مستشفيات جديدة و16 عيادة متعددة الخدمات و6 مراكز صحية ومركزين صحيين متخصصين و71 قاعة علاج. كما تميزت السنة، بإعلان الحكومة عن تخصيص 1900 مليار دينار لتنفيذ المخطط التوجيهي للصحة الممتد إلى آفاق 2025 وتحقيق أهدافه، التي تشمل تحقيق 86 ألف سرير جديد، والوصول في 2025 إلى مستوى المؤشرات الصحية للدول المتقدمة والقضاء على الفوارق النمطية فيما يخص كل المؤشرات الصحية بين الولايات وكذا إقامة نظام اليقظة الصحية. أما قطاع الثقافة فقد تعزز هو الآخر ب58 مكتبة جديدة في 2008، كما استلم 3 دور للثقافة ومراكز ثقافية و15 مشروعا في إطار عمليات التهيئة والترميم للهياكل الثقافية. وفي حين بلغ عدد المساحات الزراعية التي تم توسيعها واستصلاحها في 2008، أزيد من 10300 هكتار، تم خلال نفس السنة غرس 13351 هكتار من الأشجار المثمرة والقيام ب7745 عملية في إطار تأهيل المستثمرات الفلاحية، و647 ألف هكتار من المساحات السهبية المحمية، كما أشرف القطاع على أكثر من 900 عملية لفك العزلة عن المواطنين من خلال فتح مسالك و34 عملية في إطار مكافحة التصحر. ووصل عدد البيوت التي تم ربطها بشبكة الغاز إلى غاية نهاية شهر سبتمبر 2008، أزيد من 158300 بيت، بينما تم توصيل 26110 بيوت بشبكة الكهرباء وانجاز 3 محطات كهربائية جديدة. وسلمت الجماعات المحلية منذ مطلع السنة وإلى غاية نهاية سبتمبر الماضي، 27131 محل تجاري، وتميزت السنة بتعزيز الآليات العمومية للمساعدة على التشغيل مع اعتماد الترتيب الخاص بالمساعدة على الاندماج المهني من أجل التشجيع على التوظيف في القطاع المنتج لفائدة حاملي الشهادات، والذي سمح بتوظيف 100 ألف شاب بطال بين شهري جوان وأكتوبر من السنة، بينما تم خلال العشر أشهر الأولى من السنة، استحداث 83481 منصب شغل في إطار التراتيب الخاصة بترقية القرض المصغر، وبلغ عدد مناصب الشغل المستحدثة في إطار برنامج 100 محل في كل بلدية مع نهاية 2008، 47 ألف منصب شغل. وبخلاف كل هذه الإنجازات، فقد عرفت الجزائر خلال 2008، أيضا بعض الاحداث الأليمة التي تسببت فيها الاضطرابات الجوية وما خلفته من فيضانات وسيول أسفرت عن خسائر بشرية ومادية، مثلما هو الحال بولاية غرداية التي خلفت الفيضانات التي اجتاحتها في الفاتح اكتوبر الماضي، 43 ضحية وخسائر في المنشآت، تمكنت السلطات العمومية وبفضل التضامن الكبير للمواطنين والمؤسسات من إعادة تهيئتها في وقت قياسي، لتكتمل بعد ذلك كل عمليات محو آثار الكارثة بنجاح.