كانت الساعة تشير إلى الثانية زوالا من يوم الخميس، لما غمرت المياه كلّ أحياء عنابة وما جاورها، كما ضيّقت من تنقّل المواطنين، خاصة بتزامنها مع وقت عودة المتمدرسين والموظّفين إلى منازلهم؛ طرقات مشلولة، الأمطار تتهاطل بقوة، منسوب المياه يرتفع بسرعة، الشارع العنابي في ذهول، الكل ينتظر نجدة مصالح الحماية التي شرعت في التحرك في كل مكان، وتجنّدت مصالح البلديات إلى جانب أعوان النظافة ومصالح الأشغال العمومية، لكن قوة الماء كانت أسرع، وتوقفت السيارات في طوابير طويلة عند مداخل ومخارج ولاية عنابة. كما تدخلت مصالح الدرك والشرطة وقوات الجيش هي الأخرى لإنقاذ المواطنين من الغرق، في سيول حاصرت كلّ المناطق المجاورة لبلديات عنابة، البوني، الحجار، العلمة وغيرها، لكن تسخير كل هذا العتاد لم ينفع مع ارتفاع منسوب مياه وادي سيبوس، فيما انفجرت معظم المجاري التي تسربت مياهها العكرة إلى الشوارع، وأعطى الوالي في هذه الأثناء تعليماته بخروج كل الهيئات لاحتواء الفيضانات، لقد كان "خميسا أسود"، هكذا أطلق عليه سكان عنابة المتضررون. بكاء وصراخ أطفال تزامن مع ارتفاع منسوب المياه وسط مخاوف العائلات، إذ كانت 6 ساعات من الزمن كافية لتُغرق المنازل والسكنات الهشة المتواجدة بأحياء عنابة وما جاورها وحتى البلديات النائية، على غرار عين الباردة، العلمة وكذلك ضواحي البوني والحجار في المياه المتسربة بقوة، حيث امتلأت الممرات بالوحل والطمي، فيما زادت المياه من صعوبة تدخّل مصالح الحماية المدنية، التي وجدت نفسها مضطرة لاستغلال كلّ إمكانياتها والاستنجاد بعناصر إضافية للحدّ من تدفّق المياه الجارفة، في حين هبّ السكان في هذا الجو المربك، لتقديم يد العون للجيران والأهل، لكن ذلك بقي بدون جدوى؛ إذ إنّ الكثير من العائلات قضت ليلتها في العراء، ومنها من فرّت بحمل أبنائها للاستنجاد بالمعارف أو الأقارب، في الوقت الذي انتظر الجميع ساعات طوالا توقف الماء المتدفقة من وادي سيبوس والوديان المحاذية للأحياء بعد امتلائها بمياه الأمطار. وسعت مصالح الحماية المدنية جاهدة خلال الساعات الأولى، لتوقيف تسرّب الماء. ورغم ظروف العمل الصعبة إلاّ أنّ ذلك لم يقف حاجزا أمام مواصلة عملية امتصاص الماء رغم استمرار تهاطل الأمطار الغزيرة. وفي هذا الجو أكّد الكثير من المواطنين هشاشة شبكة الصرف الصحي والوحل الذي عطّل عملية إنقاذهم، بالموازاة مع تأكيدهم طول الانتظار للحصول على سكن يؤويهم، خصوصا بالنسبة للذين يقطنون بيوتا قصدرية وهشة في ظل الشتاء والبرد القارس ودرجة الحرارة المنخفضة جدا، وهو ما زاد من درجة التوتر والخوف عند الكثير من العائلات المتضررة من هذا الوضع في ظلام حالك، خصوصا أنّ سيناريو الفيضانات، حسب تأكيدهم، أصبح يتكرّر كلّ سنة، فيما تحوّل الملف إلى "مهزلة حقيقية، يبدَّد فيها المال العام بدون استكمال المشاريع المقدمة في آجالها المحددة". 3 وفيات، 50 سيارة عالقة وطرقات مشلولة الحصيلة التي قدّمتها مصالح الحماية المدنية خلال 16 ساعة من تساقط الأمطار على عنابة، تمثلت في تسجيل 3 وفيات، وإجلاء 50 سيارة غمرتها المياه، تمكّن أصحابها من الفرار إلى وجهات مختلفة بعد أن امتلأ الطريق الوطني رقم 44 الرابط بين ولايتي عنابة وسكيكدة، بالماء، والذي لايزال إلى حدّ كتابة هذه الأسطر مشلولا، في حين ضاعفت الحماية من جهودها لفتحه، خصوصا مع استقرار الجو إثر النشرية الجوية التي أعلنت عن عودة الاستقرار التدريجي للجو، فيما تصعّب الرياح من تدخّل مصالح الحماية المدنية في الوقت الراهن. وأوضحت نفس المصالح، أنّه تمّ انتشال جثة كهل كانت غارقة بمنطقة العلاليق بالبوني، مع إصابة طالب فلسطيني بصعقة كهربائية داخل الإقامة الجامعية بسيدي عمار، وتجمّد شيخ داخل منزله. كما تم إجلاء عائلة فرنسية وعامل صيني كانوا محاصَرين بمياه السيول، مشيرة إلى أنّ الجهود مازالت متواصلة للتخفيف من مستوى الأضرار المسجلة. ندرة في الشموع وخوف من السرقات 16 ساعة كانت كافية لتدخل عنابة ببلدياتها 12 في ظلام حالك، ووجدت مؤسّسة سونلغاز صعوبة في التنقل بين الأحياء لإعادة التيار الكهربائي. كلّ شيء تعطّل، إذ إنّ المياه الراكدة صعّبت من تنقّل أعوان سونلغاز في ذلك الظلام الحالك، وهو ما زاد من تعطّل نشاط المؤسّسة، فالرياح القوية أسقطت الكوابل الكهربائية، وأتلفت، حسب بعض تقنيي سونلغاز، أكثر من 40 عدادا، إلى جانب تحطّم الشبكة الرئيسة التي تزوّد أحياء البوني وما جاورها، فضلا عن توقّف شبكة التوزيع التي تزوّد مناطق عين الباردة، العلمة وكذلك الشرفة. كما زادت مخاوف العائلات من السرقات والاعتداءات التي قد تنفّذها العصابات التي تستغل مثل هذه الأزمات لتسطو على البيوت وتحطّم المحلات، فيما أصبح لا بديل لها غير الشموع التي ارتفعت أسعارها، وهو ما استغله أصحاب المحلات باعتبار أنّ الفيضانات والسيول الجارفة والظلام فرصة للربح السريع، ما جعل الشموع تتحوّل إلى جرعة أكسجين لمواجهة الخوف من السرقات. أخبار الشارع تعوّض شبكات النقال تزايدت مخاوف المواطنين بعد ارتفاع منسوب المياه بسبب تواصل واستمرار تساقط الأمطار ليلة الجمعة إلى السبت، ليليها انتشار أخبار غير مؤكدة عن انقلاب حافلة وموت كلّ ركابها، إلى جانب غرق سيارات. وفي هذا الجو الحزين، دخلت العديد من العائلات في شبه ضياع وخوف، تنتظر بلهفة عودة أبنائها العالقين، حيث أصبحت كلّ خطوط الاتصالات غير متوفرة بعد توقّف شبكة متعاملي الهاتف النقال الثلاثة، لتتحول بذلك عنابة إلى ولاية معزولة عن العالم الخارجي؛ لا أحد يعلم الخبر الصحيح، لتنتشر فقط أخبار مغلوطة يتداولها بعض شبان الحي، في حين أصبحت أمواج إذاعة عنابة غير واضحة بسبب سوء الأحوال الجوية، على اعتبار أنّها الحل المؤقّت لتطمئن العائلات على أبنائها. ووجدت الصحافة المحلية نفسها مجبرة على التنقل إلى عين المكان لنقل صور ومشاهد الكارثة التي حلت بعنابة، كل ذلك في غياب شبكة الأنترنت والهاتف لعدّة ساعات. اجتماع طارئ وأموال أُهدرت عقد والي عنابة ساعتين قبل الفيضانات، لقاء مستعجلا مع المديرين التنفيذيين ورؤساء البلديات والدوائر بحضور الصحافة المحلية، لتدارس ملف الفيضانات مع التنسيق مع الحماية المدنية. وأعطيت تعليمات بإحصاء النقاط السوداء من طرف المسؤولين، لكن ذلك لم يكن كافيا لتجنيب عنابة الغرق، في وقت سعى الوالي إلى توسيع اتصالاته وتدخلاته بالتنسيق مع رؤساء الدوائر والبلديات، التي وجدت نفسها عاجزة أمام السيول الجارفة، وبقيت مصالح الأشغال العمومية، بدورها، بدون حراك أمام هول ما حدث، حيث دخل الكلّ في سباق مع الزمن للبحث عن حلّ لمواجهة الفيضانات، لكن بعد فوات الأوان. الوالي مزهود أمر بنزول الجميع إلى الميدان، حيث جُنّدت الجرافات، الشاحنات، المضخات وعتاد قوي لامتصاص مياه البالوعات لكن بدون جدوى. وأمام كلّ ذلك وفي ظل الفشل في احتواء مياه الأمطار، فضحت سياسة "البريكولاج" مشاريع استهلكت الملايير، حيث عرفت عنابة خلال السنوات الماضية، تنظيم العديد من اللقاءات من أجل حماية المنطقة من الغرق، لكن، للأسف، كانت اجتماعات ماراطونية لم تجسد توصياتها على أرض الواقع، إذ أكّد الكثير من مواطني الولاية في هذا الجو الكئيب، أن كل ذلك كان مضيعة للوقت، وأن فيضانات 24 و25 جانفي من السنة الجارية، ستبقى وصمة عار على جبين مسؤولي عنابة. تداعيات الفيضانات ... مصالح الحماية المدنية تنقذ 290 شخصا كشفت مصالح الحماية المدنية بعنابة ليلة أول أمس، عن مستجدات وتداعيات فيضانات عنابة، حيث تدخلت إلى غاية مساء السبت في البلديات 12 المتضررة التي مسّتها الفيضانات، إلى جانب تسجيل وفاة، أول أمس، حارس شركة بالمنطقة الصناعية وادي مبعوجة يبلغ من العمر 53 سنة، كانت وفاته طبيعية، ولم تكن بسبب مياه الأمطار، وعليه تكون حصيلة الوفيات ثلاثة أشخاص لقوا حتفهم بسبب الأمطار الطوفانية، لتضيف نفس الجهة، أنّها تمكّنت خلال الساعات الأخيرة من ليلة أوّل أمس، من إغاثة 290 شخصا كانوا عالقين في منازلهم في مناطق متعدّدة بعدما غمرتها مياه الأمطار. كما تمّ إخراج قرابة 40 سيارة من المياه. وقام أعوان الحماية المدنية بالعديد من عمليات امتصاص المياه في عدد من أحياء الولاية، التي لازالت متواصلة بالنقاط السوداء التي يبقى مستوى منسوب المياه بها مرتفعا. وسُجلت، أمس، عمليات امتصاص المياه بكل من أحياء 1 ماي بجانب الطريق الوطني 44 بلدية البوني وعطوي صالح و150 مسكنا و200 مسكن و300 مسكن و502 مسكن و20 أوت ومارس عمار ببلدية الحجار، إضافة إلى أحياء الصرول ولعلاليق والريم.