أجمعت تقارير متواترة من العاصمة القطرية الدوحة على التأكيد أن النتائج الإيجابية التي انتهت إليها المحادثات الثنائية بين وفدي الولاياتالمتحدة وحركة طالبان الأفغانية والرامية إلى إيجاد أرضية توافقية لإنهاء الحرب الأهلية المتواصلة أطوارها في أفغانستان منذ سنة 2001. وأكدت هذه التقارير أن الوفدين المتفاوضين على وشك التوصل إلى أرضية توافقية تدفع بحركة طالبان المتمردة إلى قبول الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الحكومة المركزية في العاصمة كابول. وبحث الوفدان هذه المرة قضايا جوهرية في العلاقات المتوترة بين الجانبين وخاصة الانسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان والمصالحة الوطنية بين أطراف المعادلة السياسية والأمنية في هذا البلد الممزق بحرب أهلية منذ قربة عقدين. ورغم إجماع المتتبعين على أن هذا الاتفاق ما هو سوى خطوة أولى على طريق طويل ومحفوف بالمخاطر والزلات، إلا أن التوصل إلى اتفاق حول القضايا الجوهرية قد يكون هذه المرة بداية لمفاوضات أكثر جدية وستكون نهايتها عودة السلام إلى بلد لم يعرف الاستقرار والسلام منذ التدخل العسكري السوفياتي سنة 1979. وأكد طول مدة جولة المفاوضات التي استغرقت أسبوعا كاملا بين الوفدين المتفاوضين رغبتهما في تسجيل تقدم عملي إذا أخذنا بطبيعة القضايا المطروحة وأهميتها وخاصة دور حركة طالبان في المشهد السياسي وآليات عودتها إلى الساحة بعد قرابة عقدين من الاقتتال الدامي ومصير مقاتليها وانضمامهم إلى القوات النظامية الأفغانية. ويبدو من خلال الأخبار المسربة إلى خارج جدران قاعة المفاوضات، فإن الوفد الأمريكي يكون قد لبى الكثير من مطالب حركة طالبان بما سمح بتحقيق التقدم المسجل على طريق المسار التفاوضي المعقد والمتداخل وجعل متتبعين يبدون تفاؤلا بخصوص مستقبل هذه المفاوضات. وهو تفاؤل طبع تصريحات زلماي خليل زاد، المبعوث الأمريكي الخاص إلى أفغانستان، والذي وصف مفاوضات الدوحة ب«المثمرة مقارنة بالمفاوضات السابقة بعد أن تم تسجيل تقدم بخصوص مختلف القضايا الحساسة". وإذا سلمنا بصدقية هذه الأخبار ودرجة التفاؤل التي اتسمت بها، فإنه يمكن القول أن حركة طالبان كانت المنتصر الأول في هذه المعركة السياسية وهو ما جعلها تتحين فرصة لقاءات العاصمة القطرية لتحقيق كل مطالبها، مستغلة في ذلك ثقلها العسكري الذي جعلت منه ورقة ضغط قوية سواء على الأمريكيين أو على الحكومة الأفغانية في مفاوضات الدوحة لتحقيق ما كانت تريد. كما أن معرفتها المسبقة بالعقيدة العسكرية التي تنتهجها إدارة الرئيس، دونالد ترامب جعلتها تتمسك بمطالبها وخاصة بعد اتخاذ هذا الأخير قراره بسحب قوات بلاده من المستنقع الأفغاني وجعلها تكثف عملياتها العسكرية النوعية ضد القوات الأفغانية بنية تسريع عملية الانسحاب، مستغلة في ذلك درجة الوهن الذي ضرب هذه القوات وأجهزتها الأمنية التي لم تعد تقوى على توقع هذه العمليات ولا حتى صدها حتى في قلب العاصمة كابول وحتى ضد جهاز المخابرات العسكرية الأفغانية ووزارات السيادة. كما أن فرض تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" نفسه في المشهد العسكري الأفغاني استغلته حركة طالبان لصالحها لقناعتها المسبقة أن الحكومة الأفغانية والإدارة الأمريكية لن يكونا قادرين على مواجهة تهديدات هذا التنظيم المتطرف بما حتم عليهما تسريع عملية التفاوض مع طالبان ضمن خطة لجعل مقاتليها في صلب المواجهة القادمة مع هذا التنظيم بحكم تجربة مقاتليها في إدارة حرب العصابات ومعرفتهم أكثر من غيرهم لتضاريس مختلف الأقاليم الأفغانية الوعرة والتي مكنتهم من الصمود في وجه العمليات العسكرية الأمريكية والأطلسية طيلة العقدين الأخيرين. وكان لعامل الوقت دور أكبر في عملية تسريع مفاوضات الدوحة خاصة وأن البلاد أصبحت على مقربة من فصل الربيع الذي عادة ما تجعله طالبان موعدا لبدء هجماتها العسكرية ضد القوات والأهداف الحكومية والتي تتواصل إلى غاية فصل الصيف. وهي مدة لا تريد الإدارة الأمريكية تضييعها ودخلت سباقا ضد الساعة من أجل التوصل إلى اتفاق مبدئي مع هذه الحركة المتمردة لقبول الجلوس إلى طاولة مفاوضات مباشرة قبل ذوبان ثلوج فصل الشتاء القاسي. وتدرك حركة طالبان جيدا هذه الحقائق وهو ما جعلها تصر في جولة مفاوضات الأسبوع الماضي على ضرورة قبول الوفد الأمريكي بفكرة تحديد رزنامة لانسحاب تدريجي لوحدات المارينز من أفغانستان ضمن شرط مسبق وضعته في مقابل قبولها الجلوس إلى طاولة مفاوضات مع السلطات الأفغانية، وهو ما كانت ترفضه إلى حد الآن بقناعة أن سلطات كابول ما هي سوى دمى في يد الأمريكيين.