يشهد جامع "الباشا" بمدينة وهران، حالة من التردي وخطر الزوال، على خلفية الانهيارات المتكررة لأجزائه، في غياب تدخل المصالح المكلفة بالتراث والثقافة في ولاية وهران، خاصة بعد الغموض الذي يكتنف مشروع الترميم الذي أعلن عنه منذ أكثر من سنة، ولم يجسّد على أرض الواقع. شهد جامع "الباشا" بمدينة وهران مؤخرا، سلسلة انهيارات جزئية لبعض الجدران الخارجية المحيطة به، في وقت تعرضت باحته إلى انهيار داخلي للتربة، وتشققات كبيرة في الجدران، وهو ما حدث أيضا على مستوى محيط المسجد ومنارته. ساهمت الأمطار الأخيرة التي شهدتها المدينة، في ارتفاع نسبة خطورة انهيار جامع "الباشا"، بفعل تواجده -حسب المتتبعين- فوق ممر سفلي لوادي الروينة، الذي يؤدي مباشرة إلى ميناء وهران، وهو نفس الوادي الذي كان سببا منذ سنوات، في غلق مسبح البلدية بعد تشقّق أرضيته. وقفت "المساء" على وضعية المسجد الذي لا زال مغلقا أمام المواطنين، بفعل إدراجه ضمن مشروع خاص بالتهيئة والترميم، وهو المشروع الذي لم ير النور بعد. في المقابل، كشف مصدر مطلع، عن حدوث انهيار كبير داخل باحة المسجد، لم تتمكن "المساء" من معاينته، بفعل الأبواب الموصدة، في حين بدت للعيان، حالة المسجد المتردية، خاصة الجهة المطلة على الشارع، حيث سقطت أجزاء من الجدران، كما أدت التشققات الخارجية إلى حدوث انهيارات في أجزاء علوية من الجدار الخارجي. تظهر الزيارة الميدانية لموقع المسجد، ميله الكامل باتجاه ممر الوادي، قدّر بأربعة أمتار، وهو ما سيعجل من انهيار الجدران، بفعل تآكل الطبقة الإسمنتية التي تم وضعها منذ سنوات لتفادي التشققات ومنع ظهور الحجارة القديمة، إضافة إلى تحطم شبكات تصريف مياه الأمطار، التي أصبحت تصبّ مباشرة فوق الجدران وعلى سطح البناية القديمة. كما تظهر جليا، درجة التضرر التي طالت منزل الإمامة، والواقع أسفل البناية. في هذا السياق، استغرب بعض المتتبعين للشأن التراثي بالمنطقة، الوضعية التي آل إليها الموقع، إلى درجة نمو شجيرة على الجدار، رغم وجود لجنة خاصة أنشأها والي وهران للسهر على الممتلكات الثقافية بالمنطقة، وهو ما يؤكّد التهميش والإهمال الذي لا زال يطال البناية والمسجد. وقعت الشركة التركية "توسيالي" اتفاقية مع بلدية وهران ومديرية الثقافة من أجل ترميم المسجد والهيكل وقصر "الباي"، غير أنه ومنذ أكثر من سنتين، لم يتم تحريك الملف ولم تنطلق العملية الاستعجالية الخاصة بترميم الهيكل. للإشارة، شيّد المسجد في عهد الباي محمد الكبير الحاكم حسن عام 1797، بأمر من بابا حسن باشا حاكم الجزائر العاصمة بعد طرد الموريسكيين. يعد مسجد "الباشا" الأول في المنطقة، وقد عيّن الشيخ سيدي محمد الساني المهاجي إماما للمسجد من طرف الباي محمد الكبير، وبعد احتلال فرنسا للجزائر، انتزع المسجد من المسلمين، ثم أعيد لهم سنة 1833، بناء على أوامر الجنرال ديمشيل، لكنه سرعان ما سلبه المستعمر مرة ثانية بأمر من نابليون الثالث، وألصقت على أبوابه الأسلحة، ليسترجعه المسلمون مرة أخرى.