* email * facebook * twitter * google+ لم تكشف آخر تطورات الوضع العسكري في ليبيا عن كل أسرارها حيث بقيت عملية الزحف الميداني التي شرع فيها المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي على العاصمة طرابلس غامضة سواء من حيث دوافعها أو من حيث نتائجها الفورية. فباستثناء إدانة حفتر لقصف جوي، قال إن طائرات حربية موالية لحكومة الوفاق الوطني شنته ضد وحداته المتموقعة في منطقة باب العزيزية على بعد حوالي 20 كلم إلى الجنوب من العاصمة طرابلس أو إعلان حكومة غريمه السياسي فايز السراج أن وحداتها تمكنت من أسر عشرات الجنود التابعين لجيش حفتر، فإن الوضع العسكري مازال يكتنفه غموض كبير بما يجعل من الصعب الحكم على مدى نجاح قائد الجيش الوطني الليبي في مغامرته ولا حتى الإقرار بقدرة القوات الحكومية في طرابلس من إفشالها. واكتفى أحمد المسماري المتحدث باسم القوات الموالية للمشير خليفة حفتر بتأكيد مقتل 5 من عناصر جيشه في معارك اليومين الأخيرين والتي سمحت بالسيطرة على المطار الدولي وعلى مدينتي باب العزيزية والسواني ضمن طوق عسكري على مداخل الضاحية الجنوبية لمدينة طرابلس. وأكد فتحي باشاغا وزير الداخلية الليبي من جهته أن قوات حكومته لن تقف مكتوفة الأيدي إلى غاية إرغام قوات حفتر على العودة من حيث أتت، واصفا الوضع الأمني في عاصمة البلاد ب«الممتاز" وخاصة بعد تمكن قواته من استعادة سيطرتها على مطار مدينة طرابلس الدولي. ومهما كانت حقيقة هذا الوضع الطارئ، فإن مؤشرات الانزلاق العسكري باتت قائمة في بلد مازال يبحث عن مخرج من حالة التيهان السياسي والأمني الذي يتخبط فيه منذ سقوط نظام الرئيس معمر القذافي شهر أكتوبر سنة 2011. وفي ظل هذه التطورات "الخطيرة"، تحركت عواصم مختلف الدول الكبرى في محاولة لإقناع خليفة حفتر بوقف عمليته العسكرية التي فاجأت كل المتتبعين والدول المهتمة بالأوضاع في ليبيا. ورغم الإجماع الدولي على خطورة الأوضاع في ليبيا وباعتراف من غسان سلامة المبعوث الأممي إلى ليبيا، إلا أن ذلك لم يمنعه من التأكيد على أن الأممالمتحدة متمسكة بعقد المؤتمر الجامع بمدينة غدامس أيام 14، 15 و16 من الشهر الجاري بما يدفع إلى طرح الكثير من الأسئلة حول جدوى عقد ندوة في ظل ظروف استثنائية ومدى جدية القرارات التي قد تصدر عنها؟ ويكون هذا القرار هو الذي جعل وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف يدعو أمس، من العاصمة المصرية إلى حوار وطني في ليبيا دون آجال وصفها ب«الاصطناعية"، مؤكدا أن بلاده ومصر تصران على تمكين الليبيين من تحديد مصيرهم بأنفسهم ضمن حل شامل غير مفروض من أي جهة خارجية. ودعا لافروف خلال ندوة صحفية عقدها رفقة نظيره المصري سامح شكري إلى حوار شامل يضم كل الفعاليات ودون آجال مصطنعة تحاول جهات أن تفرضها على الليبيين انطلاقا من الخارج. وحتى إن لم يحدد رئيس الدبلوماسية الروسي الذي كان يتحدث في ندوة صحفية رفقة نظيره المصري سامح شكري، لا من بعيد ولا من قريب، الآجال التي يقصدها وما إذا كان الأمر يخص موعد مدينة غدامس ولا الجهات الخارجية التي اتهمها بفرض هذا المسار التفاوضي، إلا أن الإشارة كانت واضحة إلى الأممالمتحدة والولايات المتحدةالأمريكية التي تريد هي الأخرى الانتهاء مع الأزمة في ليبيا. وجاءت زيارة وزير الخارجية الروسي إلى مصر بهدف بحث الموقف الذي تسبب فيه قرار خليفة حفتر شن هجومه ضد العاصمة طرابلس بحكم علاقتهما المتميزة مع هذا الأخير، سواء بحكم دوره في محاربة عناصر التنظيمات الإرهابية على الحدود الليبية المصرية أو بسبب صفقات السلاح التي أبرمها مع موسكو في آخر زيارة قام بها إلى روسيا سنة 2017. وهو ما يدفع إلى التساؤل حول ما إذا كان الهجوم تم بتزكية من القاهرةوموسكو رغم أن هذه الأخيرة سارعت إلى التحذير منه وطالبت بوقفه لتفادي إدخال ليبيا في حمام دم جديد وطالبت بدلا عن ذلك بحل سياسي سلمي للأزمة المستعصية في هذا البلد. وهو سؤال يطرح رغم أن لافروف أكد أن بلاده في اتصال دائم مع كل الأطراف الليبية ولا تؤيد أي طرف على حساب الآخر، بينما أكد نظيره المصري سامح شكري أن بلاده تدعم كل مسعى لتوحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا ومعها كل الهيئات الرسمية فيها. يذكر أن مسألة توحيد المؤسسة العسكرية التي تحدث عنها سامح شكري تبقى من بين أكبر المعضلات التي حالت دون إيجاد مخرج للأزمة الليبية رغم المساعي الدولية والأممية لإنهائها. وشكل موقف خليفة حفتر وإصراره على تولي حقيبة وزارة الدفاع دون الخضوع لسلطة رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج الذي لم يعارض تولي غريمه هذه الحقيبة الحساسة شريطة أن يخضع لسلطاته السياسية. وبقيت ليبيا منذ سنة 2015 تتأرجح بين هذين الموقفين المتعارضين حد التنافر وشكلا عقبة حالت دون تحقيق مسار المصالحة الوطنية الذي رعته الأممالمتحدة ودعت إليه المجموعة الدولية، وهو الإشكال الذي أدى إلى اندلاع التطورات العسكرية الأخيرة تحسبا للمؤتمر الجامع بمدينة غدامس التي ستكون مسألة توحيد الجيش الليبي نقطة الحوار الطاغية بين كل الأطراف المشاركة فيه. وهو ما جعل حفتر يتحرك ميدانيا ضمن رسالة واضحة بأنه يرفض مخرجات ندوة غدامس ما لم تمكنه من التربع على كرسي وزارة الدفاع في ليبيا ما بعد الحرب الأهلية.