تعد الوحدة الوطنية ركيزة من ركائز مقومات هذا الوطن وتطوره وتقدمه، ودليلا على تلاحم الشعب الجزائري مع قيادته، كما تظهر استمرار العهد بين أبناء هذا المجتمع جيلا بعد جيل رغم كل المحاولات التي عرفها تاريخ الجزائر للتفريق بين أبناء الشعب الواحد. ولعل الوحدة الوطنية هي الهاجس الرئيسي الذي يشغل بال السياسيين والاجتماعيين في الوقت الراهن، فالوحدة الوطنية كما يعتبرها الجميع هي الشعار الذي يرفعه الجميع دون استثناء، والهدف الرئيس الذي تتجمع من خلاله كافة الفئات والشرائح الاجتماعية داخل المجتمع لتحقيقه.. ولكن يثار هنا التساؤل عن ما هي المؤثرات التي من الممكن أن تزعزع هذا المفهوم، وما هو دور بعض المؤسسات الاجتماعية في تحقيق الوحدة الوطنية، وما هو الدور الملقى على مؤسسة الأسرة ومؤسسات المجتمع المدني لتحقيق الوحدة الوطنية؟ وتبرز الوحدة الوطنية تطور المجتمع الجزائري، وكذا التغيرات الطارئة عليه، كما تعمل على إبراز قيمة الانتماء الوطني وجعلها هدفا يعمل الجميع على تحقيقه والمحافظة عليه، بما فيه الحركة الجمعوية التي سطرت لنفسها هدف غرس الروح الوطنية وحب الانتماء في نفوس الشباب الجزائري، على غرار جمعية "شباب دزاير" لمدينة خميس الخشنة شرق العاصمة، التي اعتبر رئيسها "محمد بلقاسم" في حديث مع "المساء" مؤخرا، أن الوحدة الوطنية هي من مسلمات وطننا التي نعمل على تقويتها والحفاظ عليها، وأن وحدتنا الوطنية هي من مكتسبات هذا الوطن، فنجد أن اللحمة التي نسجها الرئيس بوتفليقة من خلال مسار المصالحة الوطنية، قد ساهمت بشكل كبير في رأب الصدع بين الإخوة في الوطن الواحد، وجاء دورنا - يقول - نحن شباب الجزائر، لنعمل من جهتنا على نفس نهج قادتنا لما فيه خير هذا الوطن، حتى نقطع كل الأقاويل التي تردد علينا كشباب مستقل بنفسه عما يجري حوله، سواء على الصعيد الاجتماعي أو السياسي، وليس في اهتماماته سوى الموضة أو.. الحرقة". ومن مقومات الوحدة الوطنية - كما يراها المتحدث - نشر المحبة والألفة بين أبناء الوطن، ونبذ العنف والشقاق والخلاف، ونشر لغة المحبة والتسامح والترابط والتكاتف، لأنها جزء مهم من القيم الوطنية، وهي من القيم التي يحتاجها مجتمعنا، تماما مثل نشر لغة الحوار بيننا كأفراد وجماعات، وأن نُشعر أبناءنا بأن الجزائر هو وطن الجميع، لأن من يعيش على هذه الأرض من واجبه المشاركة في بناء حضارته والمساهمة في التفاعل مع مجتمعه، خاصة وأن الجميع عليه واجبات وله حقوق. وتعد مشاركة المواطن في تطوير وطنه والمحافظة على استقراره وإنجازاته ومحبته لأفراده ولقيادته ولعلمائه، مقوما مهما من مقومات وحدتنا الوطنية، وتتجلى وطنية المواطن الجزائري من خلال حرصه على أمن وطنه الفكري والاقتصادي والاجتماعي وقناعته بدوره الكبير في نشر المحبة بين أفراد وطنه. وفي سياق متصل، يقول حليم مزيان، رئيس جمعية "الهواء الطلق " لمدينة بودواو، أن الأسرة الجزائرية تواجه تحديات كثيرة وبنسب متفاوتة، تتمثل أساسا في عدم استقرار المجتمع والبطالة وتدني مستوى الأجور ومشاكل اقتصادية، تؤثر على الجانب النفسي لأفراد المجتمع، ومنها تتولد مشاكل مثل العنف الأسري أو المجتمعي، وهنا يظهر دور الحركة الجمعوية في معالجة بعض المشاكل التي قد تثقل كاهل الأسرة فتتبرأ من أفرادها أو تلفظهم إلى الشارع الذي لا يرحم، وبالتالي إكساب المجتمع مشاكل من نوع آخر قد تتطلب جهدا كبيرا ومتكاتفا للقضاء عليها. ودعا المتحدث في حديثه إلينا، على هامش انعقاد لقاء تقييمي للمجتمع المدني بمدينة بومرداس مؤخرا، إلى وجوب العمل على استقرار المجتمع بداية من حماية الأطفال والشباب وحماية الأسرة، مع دعم الجهود للارتقاء بأوضاع هذه الأخيرة الاقتصادية والاجتماعية. و أكد المتحدث، أن هناك العديد من الجمعيات التي تمارس دورها الاجتماعي والسياسي والثقافي داخل مجتمعنا، وهي المؤسسات التي تجمع فئات وشرائح المجتمع المختلفة بمختلف اتجاهاتهم وأفكارهم وآرائهم ومعتقداتهم وميولهم.. وهو ما يحدث بعض التناغم والتعاون بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني من جهة، وبين الحركة الجمعوية والمجتمع من جهة أخرى، وذلك من خلال تكامل الدور الذي تؤديه مؤسسات المجتمع المدني في تلبية بعض الاحتياجات الاجتماعية، خاصة في مجال تقديم المساعدات الإنسانية لمنكوبي الزلازل مثلا، أو للأسر الفقيرة أو للفئات الهشة من المجتمع، لذلك فإن هذه المؤسسات لها الدور الرئيسي في خدمة المجتمع وقضاياه بما في ذلك قضايا الوحدة الوطنية. كما يعد التطوع سمة بارزة من سمات المجتمع المدني، ولعل هذه القيمة تعتبر من أبرز القيم الرئيسية التي تعزز من مفهوم الوحدة الوطنية، والكثير من مؤسسات المجتمع المدني داخل المجتمع قائمة على التطوع كالجمعيات الخيرية. كما أن مؤسسات المجتمع المدني تعمل على إذابة الفروق الاجتماعية والمفاهيم السلوكية والضوابط المعيارية التي توّحد المتطوعين به، هي في الغالب مبنية على قيم الاحترام والتسامح والاندماج والتعاون واحترام الآخر والتنافس، الذي يفترض أن يكون أساس قيام هذه المؤسسات في المجتمع المدني، الذي يدفع في النهاية إلى تحقيق الهدف المنشود المؤدي إلى الوحدة الوطنية.