* email * facebook * twitter * linkedin برحيل نائب وزير الدفاع الوطني رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أحمد قايد صالح، يكون الفقيد قد خرج من الباب الواسع ونجح في تأدية مهمته كاملة غير منقوصة، حيث سيبقى التاريخ يذكر مواقفه التي جنبت البلاد انزلاقات خطيرة، كادت أن تدخلها في متاهات غير محسوبة من خلال إشرافه على مرافقة المسار السياسي الحساس الذي عاشته البلاد، فضلا عن دعمه للمسيرات الشعبية منذ انطلاقها دون إسالة قطرة دم واحدة، وكذا نجاحه في سد كافة المنافذ أمام دعوات بعض الأطراف لمرحلة انتقالية والتي تبقى مآلاتها غير محمودة،، فقد حرص الراحل على إعادة سكة الشرعية الدستورية إلى مكانها بإجراء الانتخابات الرئاسية رغم انقسام طرف مؤيد لهذا الاستحقاق وآخر رافض له، غير أن ذكاء التعاطي مع هذا الواقع أفشل كافة السيناريوهات التي كانت تريد إدخال الجزائر في تجارب دول صديقة وشقيقة أخرى مازالت تعاني الأمرين إلى غاية اليوم. وكشف رحيل الفريق قايد صالح الكثير من الظلال التي كادت أن تكون غائبة عن الرأي العام، لاسيما فيما يتعلق بالحفاظ على الأمن والاستقرار الذي يظل شعار المؤسسة العسكرية في كل المراحل الحساسة التي تمر بها البلاد، وبدا أن الفقيد قد استشرف مصيره من خلال دعواته المتكررة قبل لقاء خالقه للإسراع في وضع حد للانسداد السياسي وتجنب الفراغ الدستوري، بتأكيده في كل مرة أن إجراء الانتخابات يعد الحل الوحيد والأنسب لإخراج البلاد من أزمتها، حيث حرص على تقديم اقتراحاته لرئاسة الجمهورية من أجل وضع حد لهذه الأزمة، حتى يتسنى للجيش التفرغ لمهامه الدستورية والمتمثلة في الحفاظ على الوحدة الترابية وترصد التهديدات الاتية من الخارج. ويشاء القدر أن يرى "القايد" الجزائر وهي تتجاوز هذه المحطة الحاسمة بسلام والتي تعد من ثمار جهوده ومساعيه بعد تحمله لضغوطات كبيرة طيلة أشهر عديدة منذ انطلاق الحراك، حيث أبى إلا أن يطل مرات عديدة على الشعب بخطاباته من أجل إعلامه بكافة المستجدات الوطنية، علاوة على طمأنته بعدم وجود أطماع للجيش للتدخل في الشأن السياسي للبلاد. ولا يختلف اثنان في أن مهمة الراحل ومساعديه لم تكن مجرد مرافقة للمسار السياسي للبلاد لآجال محددة وإنما الحرص على إنقاذ البلاد من دائرة الخطر وبدون أضرار بشرية، حيث نذكر في أولى خطابات الفقيد تعهده بأن يكون الجيش مرافقا وداعما للشعب في كافة الظروف وهو ما تجلى في اللافتات والشعارات التي رفعت خلال المسيرات الشعبية مثل "جيش- شعب خاوة خاوة". وبذلك يكون الفريق قايد صالح وطاقمه قد استخلصوا أخطاء الماضي، مدركين أن العنف لا يولد سوى العنف وأن التعاطي مع الأحداث لن يكون سوى بالتريث والأخذ بزمام الأمور بجدية في التعاطي مع الأحداث في إطار ما تسمح به قوانين الجمهورية، بل كثيرا ما دعا في خطاباته إلى الحوار دون إقصاء، واضعا بذلك معالم جد واضحة وهامة لحل الأزمة السياسية والمؤسساتية والدستورية الخطيرة التي تعيشها البلاد. فقيادة المؤسسة العسكرية نجحت في تقديم "النموذج الحضاري" الذي استرعى اهتمام العالم وذلك بنسج حبال الثقة مع الشعب، بعد أن كانت تصور في الماضي وكأنها "البعبع" الذي لا يمكن الاقتراب منه، غير أن الاستراتيجية الجديدة للجيش كسرت هذا الحاجز وبات المواطنون يعبرون عن آرائهم بكل حرية عن هذه المؤسسة في مسيراتهم الشعبية. ويمكن القول أن الرؤية الجديدة للجيش، قد استلهمت من العشرية السوداء التي راح ضحيتها خيرة أبنائها مثلما ذهب جراءها العديد من فئات المجتمع، رافضة بذلك تكرار مراحل تلك التجربة التي مازالت آثارها المأساوية غائرة في النفوس، متمسكة بشعار الوحدة بين ابناء الشعب والحفاظ على سيادة البلاد. وكثيرا ما ارتبطت تصريحات الفقيد ارتباطا وطيدا بعامل الوقت الذي إن تم تجاهله، قد يزيد أوضاع البلد احتداما واضطرابا وتوترا، وإن تم أخذه في الحسبان قد يضعه في موقع قوة من أجل التصدي للتحديات غير المسبوقة، مما يقتضي رفعها وكسبها، من خلال تنظيم انتخابات رئاسية غير قابلة للشك ومنهجية حوار تتجسد في مبدأ الاستعداد والقبول بالتنازلات المتبادلة الكفيل بإظهار نقاط التلاقي والتوافق التي من شأنها أن تسرع بالوصول إلى التسوية العاجلة والنهائية للأزمة. وعليه لم يتردد الفريق قايد صالح في تجديد التزام الجيش الوطني الشعبي بواجبه التاريخي والتمسك بمسؤولياته الوطنية والاضطلاع بدور المسهل لتعبئة الجهود والاجتهادات الجماعية، وتوجيهها كلية نحو التسوية المنشودة للأزمة. كما يبقى يحسب للفقيد الراحل الذي عمل بكل ما أوتي من قوة لتكون الجزائر بمنأى عن المتربصين، استجابة لمطالب الشعب بخصوص رفض العهدة الخامسة، فضلا عن تأجيل الانتخابات مرتين بسبب عدم توفر الظروف الملائمة لتنظيمها، فضلا عن إعلانه الحرب على الفساد وذلك في أول تجربة في تاريخ الجزائر، حيث لم يسبق أن أودع مسؤولون كانوا يشغلون مناصب عليا السجن تباعا كما نشهده اليوم. وهي الخطوة التي لقيت ترحيبا كبيرا من قبل المواطنين الذين كانت من بين مطالبهم الاساسية في الحراك مكافحة هذه الافة التي لطالما نخرت الاقتصاد الوطني لسنوات.