* email * facebook * twitter * linkedin لفلاسفتنا رأي منير عن تأثير وباء الكورونا على مجتمعنا، وكيف أنه عرّى أفكار البعض، الذين لم يؤمنوا حتى بوجوده، وآخرون تغلغلوا في مشاعب لا معنى لها؛ تفسيرا منهم لانتشار هذا الفيروس المشين. وفي هذا كتب أعضاء من الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية، حول هذا الموضوع على صفحاتهم بفايسبوك. الدكتور عمر بوساحة: كورونا، الدرس من المأساة كتب الدكتور بوساحة، رئيس الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية، أنه من المفترض أن تكون أزمة كورونا فايروس قد علمتنا نحن الجزائريين أنها جائحة طبيعية، أنتجتها شروط بيئية معيّنة كما تنتج أشياء كثيرة غيرها، وعليه فإن من غير المعقول اعتبار الأمر عقابا إلهيا للبشر على أفعالهم وعلى الكبائر التي يقترفونها. وحسبه، قد تكون هذه الأزمة علّمتنا أن نظرية المؤامرة التي تعشعش في عقولنا وتفعل بنا ما تفعله الكورونا وأوبئة أخرى في أجسادنا، قد فضحها هذا الانتشار المرعب لهذا الفيروس في العالم؛ فهو لم يستثن شعبا من الشعوب؛ "فمن يتآمر على من؟"؛ فالإنسانية كلها هي الآن ضحية هذا الفيروس المرعب الخطير، خاصة منها تلك المتقدمة، التي أصيبت أكثر من غيرها، والتي نعتقد نحن على الدوام، أنها مصدر المؤامرات علينا. قد تكون المؤامرة في بعض الأمور واردة، ولكن أن تصبح المشجب الذي نعلّق عليه كل مآسينا، "فهذا أمر يرفضه الواقع والحقيقة"، مضيفا أن تقمص دور الضحية الذي ابتُلينا به في حياتنا وثقافتنا جعلنا نعتقد أن العالم كله يتآمر علينا، ولا ننتبه ونحن نعيش هذا التيه، أننا في الواقع نعيش عالة على هذا العالم، يصنع لنا كل ما نستهلكه في حياتنا، ولكننا لا نتوانى في أن نشن عليه حربا من الساعات الأولى للصباح إلى الساعات الأخيرة من الليل، حربا بالدعاء عليه تارة، وبالسب والشتيمة في الكثير من الأوقات، ونجهل ونحن نعيش لذة غبائنا، أن الدعاء لو كان مفيدا في ما نبتغيه، لساعدنا أولا في الخروج من أزماتنا المتلاحقة، التي لا يبدو أنها ستكون لها نهاية في المستقبل القريب. وأشار الدكتور إلى افتراضنا الاستفاقة مما ألحقه بنا هذا الوباء من ضياعنا واغترابنا الديني والثقافي، وننتبه إلى أن الثقافة التي لا تنهل من العلم والفلسفة والفنون الجديدة وكذلك من الفكر الديني الجديد، ستظل غارقة في الجهل والأوحال، وسيظل الدراويش والدجالين سادتها، يستغلنا تجار الدين والخرافة المدّعين للمعرفة والعلم كذبا، تماما كما يستغلنا تجار المواد الاستهلاكية؛ يبيعون لنا جميعهم ما فقد الصلاحية من موادهم من غير وازع أخلاقي ولا ضمير؛ "فلا فرق بالمطلق بين هذا التاجر وذاك؛ هذا يبيعك مواد بأسعار خيالية استنفدت صلاحيتها، وذاك يبيعك ثقافة فقدت، هي الأخرى، صلاحيتها منذ غابر الأزمان، تصنع منك كائنا منفصلا عن عصره". الدكتورة سليمة بيسرني: إفاقة سؤال الكينونة بعد سبات طويل أما الدكتورة سليمة بيسرني، عضو في الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية، فكتبت أن سؤال الكينونة في القرن العشرين أفاق من سبات دام طويلا على صوت مفكر التخفي والانسحاب مارتن هيدغر. خرج هذا السؤال من دائرة النسيان، ليكشف لنا حقيقة نمط وجود الأشياء ونمط وجود الإنسان، وهما نمطان مختلفان. هذا الكائن – هنا، الشاهد على كينونته الهاربة من أكثر شيء خاص يحدها ويحده، إنه الهروب من الموت داخل نمط العيش المشترك. دخل هذا الكائن منذ زمن الحداثة المزعومة والمشؤومة في دائرة نمط وجود الأشياء، ومازال مصرّا على البقاء فيها؛ فهل نستفيق في القرن الواحد والعشرين على سؤال مركزي آخر، وهو: هل يحدّنا الموت كقدر محتوم، أم نحن هم صنّاع الموت؟ هل الموت أساس كينونة الإنسان أم هو قرار من صنع الكائن - هنا؟ صناعة الموت الذي كان يخشاه الإنسان القديم أصبح إنجازا علميا يتباهى به الإنسان المعاصر؛ فهل نقول إننا بدأنا عهدا جديدا يبشر بنهاية العلوم التجريبية ومقتها، لنعلي راية الأدب والعلوم الإنسانية؟ فالفنانون هم فقط صنّاع الحياة. ومن يفسح مجالا للعيش الجميل لا يمكن أن يكون صانعا للموت؛ فالفنان يخلق توازنا بين العقل والحالات العاطفية. وتساءلت الدكتورة: "هل يتراجع العقل لتتقدم العاطفة بخطوات ثابتة، تجمّل ما قبّحه العقل، وتصلح ما أفسده؟ فالعقل التجريبي الحسابي غرضه الأول هو المنفعة وسلطة المال؛ فهل نقبل ديكتاتورية تجعلنا عبيدا لأرقام نهايتها أصفار؟ وهل غرض الحياة وجود يقف في صفوفه جنود لا يمكن عدّها لكثرة الأصفار، أم أصل الحياة هو أن نحيا عيشا جميلا متناغما؟". وكتبت: "أصبحنا اليوم نعيش رعبا دائما، رعبا عشش في النفوس؛ إنه الخوف من الموت الجماعي؛ فبعد أن كان الموت وضعا طبيعيا في الكينونة ومكونا أساسيا لها، أصبح اليوم عدوا خطيرا يهدد الوجود الإنساني، بل أكثر من ذلك، أصبح يهدد وجود العالم بأسره. أصبحنا اليوم نشعر بالهلع أمام شبح الموت المنتظر؛ إنه شبح فيروس الكورونا الذي اقتحم العالم بأسره بدون أن يفسح لنا مجالا لقبوله أو رفضه أو حتى الاستعداد له وأخذ الحيطة والحذر منه؛ إنها حرب ضد عدو مجهول صنعه الإنسان بيده؛ ليس جهلا ولكن تجاهلا منه لمعنى حقيقة الكينونة، داعية الإنسان ليقف اليوم في القرن الواحد والعشرين، وقفة جدية، يراجع فيها شريط تاريخ طويل؛ لأنه هو الذي كان ومازال يرفض الاعتراف بأن إرادة الكينونة هي انسجام وتناغم؛ تماما كمن يقود فرقة موسيقية، وينتج تحفة فنية بدون أن يعزف على أي آلة من الآلات الموسيقية، ولكن ماذا لو عزف الموسيقيون عن الامتثال لإرادة قائدهم وذهب كل واحد يعزف في حرية تامة؟ النتيجة ستكون حتما نشازا تقشعر لسماعه النفوس؛ إنها الفوضى العارمة التي نعيشها اليوم. الدكتور محمد نور الدين جباب: الغرب سيعيد النظر في قيَمه بدوره، كتب الدكتور محمد نور الدين جباب على صفحته، "في الغرب سوف تتحرك آلة الفلسفة بعد الوباء، سوف يعيد الغرب النظر في الكثير من قيمه ومعاييره ونظمه، بعدما بيّن هذا الوباء هشاشة الكثير مما كان يعدّه مسلّمات ومكاسب أزلية، اقتصادية واجتماعية وحتى أخلاقية"، مضيفا أن في حقيقة الأمر، بدأت "المراجعات" في الغرب منذ فترة، ليس في حاضرهم، بل شملت المراجعات حتى ماضيهم؛ القرون الوسطى؛ حيث هم حاليا يعيدون النظر في الكثير من الأحكام التي كانت مسلّمات مثل فكرة الظلامية. أما عندنا فسوف يجعل هذا الوباء الفكر يتحرك في عدة اتجاهات مختلفة؛ البعض سوف يتجه إلى ما وراء الطبيعة، يبحث عن المسوغات؛ ما يجعل الكثير من الأفكار اللاعقلانية تنتعش، التي تحمّل العصر وقيم العصر ومكاسب العصر ومؤثرات العصر، المسؤولية الكاملة، وسوف تجد الآذان الصاغية بسبب تخلفنا التاريخي، وهو ما يعمّق جهلنا وغربتنا عن حاضرنا. وأضاف أنه بدون شك أيضا، سوف يظل حفظة الجمل الحداثية وما بعد الحداثية المنزوعة من سياقها، يلوكونها ويجترونها بدون ملل، وسوف نسمع نفس العبارات ونفس المفردات ونفس الجمل التي تفصح عن فكر متصلب ومتخشب وغير مطابق، وسوف نظل فريسة فكر لا عقلاني وفكر ما بعد حداثي مستلب، سوف يلتقيان في خندق واحد، وهو جهل الواقع.