أوروبا تستهلك 25 بالمائة من غاز الجزائر و80 بالمائة من قنب المغرب يعتقد جون فرانسوا كوستيار رئيس مركز دراسات "آفاق متوسطية" بفرنسا أن كسب دول منطقة حوض المتوسط للرهانات الأساسية الثلاثة المتمثلة في الشغل والغذاء والماء، تستلزم تضافر جهود الضفتين وتوطيد علاقات التعاون والتضامن فيما بينهما، مبرزا الاختلاف الكامن بين الرؤيتين الأمريكية والأوروبية للمنطقة والقائمة على أساس مصالح خاصة بكل طرف منها، "لكن وفق صيغ متباينة". وقد استهل السيد كوستيار محاضرته التي نظمها المركز الوطني للدراسات الاستراتيجية الشاملة بفندق "هيلتون" بالعاصمة في إطار "سلسلة قواسم مشتركة"، بالحديث عن ما اعتبره بخصوصيات المنطقة المتوسطية، كونها منطقة تصادم وصراعات مصالح على حد تعبيره، مشيرا إلى أن النزاع على المصالح بالمنطقة الذي كان يقتصر على أوروبا والولاياتالمتحدة، يجد اليوم فاعلين دوليين جدد على غرار روسيا والصين، "هذه الأخيرة التي أصبح تنامي دورها على المستوى الدولي وبشكل خاص بالمنطقة المتوسطية يقلق الولاياتالمتحدةالأمريكية كثيرا". واعتبر المحاضر أن نقاط التصادم التي تميز دول المنطقة المتوسطية، تضم إلى جانب تعدد الديانات، العوامل السياسية والاقتصادية والديمغرافية، مبرزا في هذا الصدد الفارق الحاصل بين الضفة الشمالية للمتوسط ونظيرتها الجنوبية من حيث توزيع الثروة بالمنطقة، حيث لا يفوق نصيب دول الجنوب 1,66 بالمائة من الناتج الداخلي الخام للمنطقة ككل، وفي المقابل تقدر نسبة السكان الذين لا يتعدى سنهم 15 سنة بهذه الدول 32 بالمائة، بينما لا تفوق هذه النسبة بدول الشمال 16 بالمائة. كما أثار المتحدث ضمن عوامل الصدمات التي تميز المنطقة الصراعات التي تكبح تطور العلاقات بين الدول وفي مقدمتها الصراع في الشرق الأوسط وقضيتي الصحراء الغربية وجزيرة قبرص، علاوة على حركة التنقل الكبيرة بالمنطقة، التي سهلت أيضا حسبه تنامي ظاهرتي الهجرة غير الشرعية والمخدرات، وفي هذا السياق أشار السيد كوستيار إلى أنه "إذا كان 25 بالمائة من الغاز الذي يستهلكه الأوروبيون يأتي من الجزائر فإن80 بالمائة من القنب الهندي المنتشرة في أوروبا تأتي هي الأخرى من المغرب". وحسب المتحدث فإن هذه المعطيات تبرز أهمية الرهانات المطروحة أمام دول المنطقة المتوسطية والمتمثلة في التشغيل والغذاء والماء. وفي هذا الإطار قدر أن حجم الطلب على الشغل في دول جنوب المتوسط سيصل إلى 35 مليون منصب، وهو ما يستوجب حسبه بلوغ نسبة نمو ب7 بالمائة للاستجابة لهذا الكم الهائل من الطلبات، فيما ذكر في حديثه عن رهان الغذاء بعودة مظاهر المجاعة في العديد من دول العالم، ومعها الحركات الاحتجاجية المتنامية، وأشار لدى تطرقه إلى رهان المياه إلى أن 3 دول من بين ال10 المتواجدة بجنوب حوض المتوسط تستهلك أزيد من 75 بالمائة من مواردها المائية المتجددة، بينما تستهلك باقي الدول أزيد من 50 بالمائة، وهو أمر مقلق حسبه، "إذا ما أخذنا بعين الإعتبار المخاطر المتصلة بعدم تجدد هذه الموارد". ومن هذا المنطلق أبرز السيد كوستيار أهمية التعاون بين ضفتي المتوسط لا سيما على أساس التضامن من أجل تحقيق المصالح المشتركة، معتبرا لدى تطرقه إلى الرؤيتين الأوروبية والأمريكية للمنطقة المتوسطية، أن الاختلاف في الصيغ المعتمدة في تحقيق الطرفين لمصلحتيهما تعكسها طبيعة المصلحة، "حيث تعتبر الولاياتالمتحدةالأمريكية حوض المتوسط منطقة عبور لنحو 20 بالمائة من الموارد النفطية التي يستهلكها الأمريكيون لا بد من تأمينها، إلى جانب ضمان أمن إسرائيل"، بينما ركز في حديثه عن المصالح الأوروبية في منطقة المتوسطة على العامل الجغرافي المشجع للارتقاء بعلاقات التعاون والتضامن، وكذا العلاقات الإنسانية التي تربط شعوب الضفتين، مستشهدا في هذا الصدد بما قاله المؤرخ الفرنسي بن يامين ستورا من "أن 1على 5 من الفرنسيين له صلة بالجزائر". وفي خلاصة محاضرته اعتبر السيد كوستيار الذي كان ضابطا في البحرية الفرنسية وشارك في بعثات أوروبية لحفظ السلام، أن المخاطر التي تواجهها منطقة حوض المتوسط ولا سيما منها الإرهاب، الهجرة غير الشرعية والمخدرات، تستدعي تقوية التقارب وعلاقات التعاون بين الضفيتين الجنوبية والشمالية، ولا سيما وفق الأطر التنظيمية الموضوعة ومنها الإتحاد من أجل المتوسط وحوار 5 زائد 5، مشيرا إلى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تراهن على الهيمنة في تحقيق مصالحها، بينما تنتهج أوروبا خيار التعاون والشراكة.