اعترف المستشار السابق والعقيد في البحرية العسكرية التابعة لوزارة الدفاع الفرنسية، جون فرانسوا كوليستيار، أمس، بوجود صراع استراتيجي وتجاذبات مصلحية عميقة بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والإتحاد الأوروبي لبسط السيطرة على منطقة المتوسط. وأوضح كوليستيار أن هذا الصراع بدأ يطفو ويبرز جليا، رغم اتخاذه في أحيان كثيرة صفة "التكامل والتعايش، "لكن عمق المصالح الاستراتيجية لكلا القطبين وتناقضها في الغايات، تجعل من الضفة الجنوبية للمتوسط محل أطماع القوى الكبرى. وقد أوضح كوليستيار خلال تنشيطه، أمس، ندوة التحديات والرهانات السياسية والاقتصادية في منطقة المتوسط التي نظمها مركز الدراسات الاستراتيجية الشاملة بنزل "الهيلتون"، أن المشاريع الجيو السياسية والاقتصادية، وحتى الثقافية التي أعلن عنها من كلا القطبين خلال العشرية الماضية لتأطير ومرافقة ومتابعة حركية وتطور الأنظمة المغاربية (جنوب المتوسط) على جميع الأصعدة، توحي أن "حربا مصلحية" تدور رحاها بين معسكرين لكسب زمام المبادرة في منطقة ذات موقع استراتيجي مهم للغاية. وأوضح المتحدث أنه يمكن اعتبار "الاتحاد من أجل المتوسط"، هو رد صريح للمشروع الأمريكي "الشرق الأوسط الكبير" الذي يمتد من المحيط الأطلسي إلى خليج العرب، بالرغم من تلاحم وتجانس خطابات المنظرين الأساسيين للمشروعين، باعتبارهما قفزتين نوعيتين من أجل النهوض ودعم أنظمة جنوب المتوسط واتخاذهما ظاهرا صفة التعاون والشراكة في مجالات الطاقات البديلة والبيئة والتعليم والصحة والتعاون العسكري، ونقل تكنولوجيات التصنيع النووي من أجل الأغراض السلمية، واقتصاد المعرفة، كل هذه التحركات وفي جميع الاتجاهات، اختير لها من المصطلحات الجامعة تسمية "التعاون في ضل العولمة". وقال جون فرانسوا كوليستيار، الذي تحدث من موقع المدافع عن أطروحات المجموعة الأوروبية، رغم محاولات تحاشيه ذلك، أن الروابط وأحيانا القواسم المشتركة بين ضفتي المتوسط تجعل من أوراق أوروبا قوية في كسب رهاناتها في المنطقة، لاسيما وأن الولاياتالمتحدة منغمسة منذ وقت ليس بالقصير في شؤون الشرق الأوسط وأقاليم جنوب شرق آسيا، مما سيفكك حتما من قوة تركيز الإدارة الأمريكية على منطقة جنوب المتوسط "كأولوية عاجلة"، بمعنى أن أمريكا ليست متحمسة بقدر أوروبا لملف الحوض المتوسطي في الوقت الراهن، لكن ليس معناه أن الإدارة الأمريكية سوف تتخلى عن "أحلامها" في المنطقة، خصوصا والرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما ورث حليفا أوروبيا مهما، وهي فرنسا، فمعلوم أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يطابق ولا يشذ عن الأطروحات الأمريكية، لذلك ربما ستراهن الولاياتالمتحدة على فاعل سياسي ينوب عن دورها في المنطقة. كما أن افتقاد الولاياتالمتحدة لخصوصيات منطقة جنوب المتوسط، مثل اللغة والتاريخ والجاليات، سيجعل من مهمتها معقدة نوعا ما. وفي خضم رده عن سؤال حول البيئة السياسية في أنظمة جنوب المتوسط ومدى تجاوبها مع مشاريع القطبين المتنافسين، قال جون فرانسوا كوليستيار إن المجموعة الأوروبية تثمّن جميع الخطوات والأشواط التي قطعتها الأنظمة السياسية جنوب المتوسط من أجل ترقية وتعزيز الديمقراطية وحفظ وحماية حقوق الإنسان، مؤكدا أن أوروبا لم تتوقف يوما عن دعم هذه المساعي من أجل جنوب، أولا متكامل بين أنظمته، وثانيا من مع أنظمة شماله.