قطعت محكمة الجنايات الدولية الشك باليقين أمس بتأكيد التهم التي زعمت أن الرئيس السوداني تورط فيها بارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد المدنيين من سكان إقليم دارفور. ووضعت محكمة الجنايات حدا لحالة الترقب التي أحاطت بهذه القضية المثيرة للجدل في الشارعين السوداني والعربي منذ الصيف الماضي وأكدت التهم التي ما انفك المدعي العام لهذه الهيئة القضائية الأرجنتيني لويس مورينو اوكامبو يروج لها. وقال لورانس بليرون الناطق باسم المحكمة الدولية أن هذه الأخيرة أصدرت ضد الرئيس السوداني أمرا دوليا لاعتقاله بتهمة اقترافه جرائم ضد الإنسانية في دارفور ولكنها رفضت الأخذ بتهمة ارتكابه جرائم إبادة جماعية. وفي أول رد فعل على قرار المحكمة قال وزير الخارجية السوداني علي كرتي أن السودان ليست عضوا في هذه المحكمة ولذلك فليس لها أي سلطة على السودان"، في الوقت نفسه الذي أكد فيه وزير العدل السوداني عبد الباسط سبدارات أن بلاده لن تتعاون مع محكمة الجنايات الدولية. وفي تحد لقرار المحكمة أكدت الحكومة السودانية أن الرئيس البشير سيشارك في القمة العربية المنتظر عقدها بالعاصمة القطرية الدوحة نهاية الشهر الجاري. ولكن المدعي العام لهذه المحكمة أكد إمكانية اللجوء إلى اعتراض طائرة البشير جوا وإنزالها بالقوة واعتقاله فيها. للإشارة فإن هذا أول اتهام من محكمة الجنايات الدولية منذ سنة 2002 ضد رئيس دولة يمارس مهامه. ويبلغ الرئيس السوداني عمر البشير من العمر 65 عاما واتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور الممزق منذ سنة 2003 بحرب أهلية تضاربت الأرقام حول حصيلتها النهائية. فبينما تؤكد الأممالمتحدة أنها خلفت مصرع 300 ألف شخص وأكثر من 2.7 مليون نازح تصر السلطات السودانية على اعتبار الرقم مبالغ فيه وأكدت أن هذه الحرب لم تخلف سوى مقتل عشرة آلاف شخص. وفي تحد لمحكمة الجنايات الدولية قرر الرئيس عمر البشير التوجه إلى إقليم دارفور في نفس الوقت الذي كان فيه عامة السودانيين وكل العالم ينتظرون نطق هذه الهيئة القضائية بالتهم الموجهة إلى الرئيس البشير. وينتظر أن يزور الرئيس السوداني مدينة الفاشر عاصمة شمال ولاية درافور لأول مرة منذ عدة أشهر في زيارة تحمل العديد من الرسائل المشفرة باتجاه المدعي العام لمحكمة الجنايات مورينو اوكامبو. وكان اوكامبو وجه شهر جويلية الماضي للرئيس السوداني تهما بإبادة المدنيين في إقليم دارفور والتي كان لها وقع الصاعقة على الحكومة والشعب السوداني وأيضا على كل الدول العربية التي لم تتقبل توجيه تهم لرئيس دولة عربية مازال يمارس مهامه الرئاسية. وقال اوكامبو قبل ثلاثة أيام أنه في حال تأكدت التهم الموجهة الى الرئيس عمر البشير فإنه سيتم اعتقاله بمجرد مغادرته التراب السوداني. وبدأت العديد من العواصمالغربية تعيش على أعصابها مخافة أن يثور الشارع السوداني في وجه الرعايا والتمثيليات الدبلوماسية الغربية في الخرطوم انتقاما لهذا القرار الجائر. ورغم التطمينات التي ما انفك مختلف المسؤولين السودانيين يؤكدون عليها واستعدادهم لمواجهة أي طارئ والإجراءات الأمنية الاستثنائية التي تم اتخاذها في ولايات إقليم دارفور بشكل لافت إلا أن ذلك لم يكن كافيا لتخفيف درجة المخاوف لدى الهيئات الدبلوماسية الغربية في السودان. ولم تخف قوات حفظ السلام الدولية مخاوفها من احتمالات متزايدة لانفجار وشيك للوضع العام في الإقليم وكل السودان وحينها سيتحمل اوكامبو والمحكمة الدولية تبعات هذا القرار. وشهدت العديد من المدن السودانية أمس مسيرات مساندة للرئيس البشير حتى قبل إعلان المحكمة عن قرارها وخاصة أمام مقر السفارتين الأمريكية والفرنسية ومكتب الأممالمتحدة في الخرطوم. ووجهت السفارات الغربية في العاصمة الخرطوم تحذيرات إلى رعاياها في السودان بالتزام الحذر في تنقلاتهم وعدم التوجه إلى الأماكن العمومية وتخزين المواد الغذائية في حال لجأت السلطات السودانية إلى اتخاذ قرار حظر للتجوال. وأصيبت التمثيليات الدبلوماسية الغربية بالهلع بعد قرار محكمة الجنايات رغم أن الناطق باسم الحكومة كمال عبيد أكد أن السلطات السودانية اتخذت كل الإجراءات من أجل ضمان حماية البعثات الدبلوماسية في الخرطوم.