صدرت عن مؤسسة الأمير عبد القادر الوطنية في الجزائر، ترجمة الأمير عبد القادر مِن كتاب (نُخبة ما تُسَرُّ به النواظر، وأبهج ما يُسَطَّر في الدفاتر)، وهي ترجمة مكثفة مختصرة عن سيرة الأمير المجاهد عبد القادر بن محيي الدين الجزائري، مودعة في موسوعة "تعطير المشام في محاسن دمشق الشام" للشيخ جمال الدين القاسمي، الذي كان طلب إلى الأمير أحمد بن محيي الدين الأخ الأصغر للأمير عبد القادر، أن يُحرِّر هذه الترجمة بما عرفه عن كثب، عن أخيه الأمير عبد القادر، فكتب هذه الترجمة التي لعلها تُلقي أضواءً جديدةً على سيرة هذا الرجل المجاهد الأمير عبد القادر جاء في بيان مؤسسة الأمير عبد القادر الوطنية في الجزائر، أنه سبق نشر هذه الترجمة من طرف الدكتور محمد مطيع الحافظ، الذي استخرجها من موسوعة (تعطير المشام في محاسن دمشق الشام) لمؤلفها الشيخ العلاّمة جمال الدين القاسمي (1866م 1914 م) أبرز علماء دمشق في القرن التاسع عشر، وهو رجل موسوعيٌّ، مذْهبهُ أصولي معتدل، وله جملة من التصانيف المختلفة. كما حمل البيان تعريفا بمؤلِّف (نخبة ما تُسر به النواظر، وأبهج ما يسَطَّر في الدفاتر) العلاّمة المفتي أحمد بن محيي الدين بن مصطفى الحسني الجزائري (1249ه 1320ه 1833م 1902م)، الذي وُلد في القيطنة – معسكر. توفِّي والده قبل أَنْ يتمَّ سنته الأولى. عالمٌ في الفقه والتاريخ، تلقّى علومه على يد ثُلة من علماء الجزائر، منهم الشيخ محمد بن عبد الله الخالدي الجزائري. وكان حفظ القرآن صبياً، وسمع من أخيه الأمير عبد القادر صحيحي البخاري ومسلم، ثم لما استقر به المقام في دمشق أتم تحصيله، وأخذ عن جملة من العلماء منهم: الشيخ محمد عبد الله الخاني، والشيخ محمد الطنطاوي، والشيخ قاسم حلاَّق، والشيخ يوسف الحسني، والعلاَّمة المجاهد مصطفى بن التهامي إِمام المالكية في دمشق. وأضاف البيان أنه لمَّا أطلق الإمبراطور نابليون الثالث سراح الأمير عبد القادر من فرنسا إلى بورصة بكفالة السلطان الأشهب عبد المجيد خان، رُحِّل منها أيضاً الأمير أحمد مع إخوته، إلى الجزائر لتشتيت شملهم، ثم طلبوا الرحيل إلى تونس لمجاورة علمائها وفضلائها، لكن فرنسا رفضت طلبهم خوفاً من التفاف الناس في تونس حولهم؛ لعلمهم وفضلهم وجهادهم وأسبقيتهم في مقارعة الفرنسيين. وقد رأى الفرنسيون ترحيلهم إلى دمشق إبعاداً لهم عن شمال إفريقيا، وكان أن التحقوا بأخيهم الأمير عبد القادر سنة 1273ه. وقد اشتهر الأمير أحمد بعلمه وفضله في دمشق، فانعقدت له الدروس في جامع العنَّابي في حي باب سريجة الدمشقي بين العشاءين، وتحلَّق الناس حوله ينهلون من علمه الجم، كما له العديد من المؤلفات من بينها: "الجنى المستطاب والزبرجد المذاب"، ورسالة على قول الإمام علي "العِلْمُ نُقطة كثرها الجاهلون"، عنوانها "نثر الدر وبسطه في بيان كون العلم نقطة". ترجمة موضوعية للأمير أحمد امتاز منهج الأمير أحمد في كتاباته بالنقد الموضوعي؛ مِنْ ذلك أَنَّه في عرضه سيرة الأمير عبد القادر انتقد مَوْقِفه مِنْ والي تلمسان، الذي كان سبباً في سُقُوطِها. وكان يَرَى أَن الأَوْلَى عَزْلُهُ لانفضاضِ النَّاس مِنْ حوله، ومن ذلك أيضا عدم رضاه عن موقف الأمير عبد القادر من المفاوضات بينه وبين فرنسا في جزئية ترسيم الحدود المؤقتة، الذي أدى إلى سلسلة حروب، كان من نتائجها تعاظم البلاء والعذاب على الناس، والقضاء على الإمارة، وذلك بسبب إصرار الأمير على عدم تنازله عن الفراسخ العشرة التي طلبها الفرنسيون، وأصر على فرسخين أو ثلاثة حتى قال الأمير أحمد في ذلك: "ليته سمح لهم بعشرة فراسخ دَفْعاً لِمَا يمكنُ أَن يُلْحِقَه التوحُّشُ الفرنسيُّ المحتلُّ بالبلاد". ومن مزاياه في كتاباته أَنَّه لم يفقد الجرأة على نَقْدِ الحاكم المستبد الطاغي، وقد هاجم الولاة العثمانيين على الجزائر "الدايات "، لظلمهم الرعية وطغيانهم على الناس، وتمرُّدهم على السلطان العثماني، وهو لا يرى أَن ظُلْمَ الوالي منوطٌ بالسلطان، بل أحسن الظن َّ بالسلطان وإِن أساءَ مَن انتسب إليه. وهذا المنهج الذي كان عليه الأمير أحمد من نقد الظالمين من الحكام، يعكس ما عليه السادة الصوفية في القرن التاسع عشر من جهادٍ ضد ولاة أمر المسلمين الظالمين، وضد المحتل الأجنبي الغازي، لا يُفَرقُ بين مسلم ظالم ومعتدٍ أجنبي، فقد قال: إن مملكة العدل مع الكفر أدوم من مملكة الظلم مع الإسلام. ومما امتاز به منهج الأمير أحمد في كتابه: أنه التزم منهج العلماء السابقين الذين كانوا لا يقيمون وزناً للعصبيات العرقية أو القبلية؛ فلا يفرقون بين عربي وبربري إلا بالتقوى والوفاء لقيم الإسلام. وهذا المنهج أيضاً مما تضمنته كتابات الشيخ أحمد في نظرته إلى الأمم الأخرى؛ لا يقيم وزناً إلا لقيم الحق والعدل التي جاء بها الإسلام؛ فكان عنده المسلم الظالم والمعتدي الظالم في الميزان سواء، ولا شك أَنَّ هذه تعاليم القرآن وروحه. مرجعان وحيدان لتأريخ حقبة الأمير بالمقابل، ذكرت المؤسسة أن كتاب (نخبة ما تسر به النواظر)لمؤلفه الأمير أحمد وكتاب (تحفة الزائر) لمؤلفه الفريق أول، الأمير محمد نجل الأمير عبد القادر، هما المرجعان الوحيدان اللذان أرَّخا لحقبة الأمير، وهما شاهدان عاصرا حقبة الأمير: فنجد الأمير أحمد في كتابه "النخبة"، شيخاً يكتب بلغة واقعية نقدية عمومية غير تفصيلية، فمثلاً لم يسمِ القبائل بأسمائها، لكنه ما ترك موقفاً إلا وذكرها. وأمَّا الأمير الفريق أول محمد باشا فهو قاضٍ وحقوقيٌّ ورجلٌ عسكريٌّ، وضعَ كتابَه (التحفة) بلغةٍ موضوعيةٍ تفصيليةٍ تحليليةٍ مقارَنةٍ بأقوالِ المستشرقين، مع عدم انتقاده أباه في بعض الأزمات السياسية لما يخص علاقة الأدب بين الابن وأبيه، فجاء الكتابان شهادةً على الواقع، ودراسة موضوعيةً ونقديةً تحليليةً للأحداثِ وأخبار ما جرى. وقد سبق تأليف كتابِ (نخبة ما تسر به النواظر) للأمير أحمد كتابَ (تحفة الزائر) بسنوات، كما سبق تأليفُ التحفة تأليفَ موسوعة (تعطير المشام).