تباينت مواقف نواب عدة تشكيلات سياسية بخصوص التعديلات الخاصة بالحصانة البرلمانية الواردة في مسودة الدستور وإجراءات رفعها، حسبما رصدته "المساء" في أوساط ممثلي الشعب، الذي تعامل معها البعض بنوع من الريبة والشك، مقدرين أنه يمكن أن ينجر عنها تعسف، كون الإخطارات الموجهة للمحكمة الدستورية قد تكون كيدية ومجرد تصفية حسابات. وإلى نقيض ذلك، فقد ثمن آخرون التعديلات التي تعطي للمحكمة الدستورية صلاحيات كبيرة، بكيفية ترفع الحرج عن النواب أمام زملائهم في إسقاط الحصانة من عدمها، مضيفين أن التعديلات تضع حدا لمحاولات شراء الذمم التي قد تحدث بين النواب حتى يحتفظ النائب المتهم بحصانته البرلمانية. سقف مشروع تعديل الدستور من نقطة الحصانة البرلمانية، حيث حصرها في المادة 129 في "مهامه البرلمانية فقط" ولم يجعلها مطلقة مثلما هي عليه الآن، إذ نصت المادة السالفة الذكر على: "يتمتع عضو البرلمان بالحصانة البرلمانية بالنسبة للأعمال المرتبطة بممارسة مهامه، كما هي محددة في الدستور". وتناولت المادة 130 نقطة التنازل عن الحصانة البرلمانية طواعية للنواب المتابعين قضائيا، وجهات الأخطار التي تتدخل لإخطار المحكمة الدستورية التي لديها "صلاحية استصدار قرار يقضي برفع الحصانة من عدمها". "على الأحزاب محاربة الفساد داخلها" واعتبرت، سعاد لخضاري، نائب حزب "الأفلان" والرئيسة السابقة للجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات، في تصريح ل"المساء" أن التعديلات الخاصة بالحصانة البرلمانية في مسودة الدستور الجديد هدفها الحماية من الفساد، لكنها تضمنت - حسبها - اختلالات في جهات إخطار المحكمة الدستورية، حيث لا يوجد "ضامن لنزاهة الجهات المخطرة، وهو ما قد يفتح الباب لتعسف في تجريد النائب من حصانته". وذهبت إلى أبعد من ذلك، عندما أكدت أن إشكالية الفساد لابد أن تعالج في الأحزاب وليس في البرلمان، من خلال اختيار منتخبين يتمتعون بنظافة اليد ونزهاء، مستشهدة في ذلك بالكوارث التي لحقت بحزب جبهة التحرير الوطني ومتابعات الفساد المدوية التي طالت بعض نوابه. وأضافت أن تشكيلات سياسية لم يحدث أن طرحت بكتلها البرلمانية أصلا نقطة رفع الحصانة، معتبرة حركة "حمس" نموذجا، لأن قيادتها أحسنت اختيار من يمثلها بالبرلمان. وقاسمت، نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني، فاطمة سعيدي المنتمية لحركة مجتمع السلم مثل هذا الموقف عندما ركزت على نظرة الشك والريبة فيما يتعلق بالإجراءات الخاصة بجهات إخطار المحكمة الدستورية، لتجريد النواب من حصانتهم وقالت في تصريح ل"المساء" إن مشروع الدستور المعدل لم يحددها، وهو ما يطرح تساؤلا جوهريا، حسبها حول المقياس المعتمد في تحديد نزاهة الجهات المخطرة للمحكمة الدستورية"، لتضيف أنه يمكن أن يقوم 20 نائبا مثلا بإيعاز من جهات في إطار تصفية الحسابات، بإخطار المحكمة الدستورية بشأن نائب ما، وهو ما يجعله محل تجريد من الحصانة تعسفا". واقترحت النائب فاطمة سعيدي، على التشكيلات السياسية اختيار مناضلين نزهاء من أجل تجنب الوصول إلى مراحل التجريد من الحصانة البرلمانية بسبب قضايا الفساد المتعددة التي شوهت صورة البرلمان بسبب ممارسات بعض المفسدين ومن اختاروهم. "إسناد رفع الحصانة للمحكمة الدستورية يرفع الحرج عن النواب" وبرأي بعض النواب، أن إسناد إجراءات رفع الحصانة البرلمانية للمحكمة الدستورية، يرفع الحرج الذي قد يقع فيه النواب أمام زملائهم المعنين بإجراءات رفع الحصانة البرلمانية، حسب تصريح النائب، فايزة بوحامة عن حزب الأفلان. وقالت إنه قد "تحدث عمليات شراء ذمم للنواب من قبل النائب المعني برفع الحصانة لأجل الاحتفاظ بها"، مستشهدة بما وقع السنة الماضية. كما قدر نائب المجلس الشعبي الوطني، بوشارف حميد عن "الأفلان" أيضا، في حديث ل"المساء"، أن أخلقة العمل السياسي تبقى الأرضية التي لابد أن تنطلق منها الأحزاب في اختيار نوابها وضرورة إبعاد "البزناسية والمتسلقين وأصحاب المال الفاسد من أي سباق انتخابي". غير أنه تحفظ هو الآخر على إجراءات إخطار المحكمة الدستورية، بحيث يمكن أن تأخذ حسبه طابعا كيديا لعرقلة نائب ما من قبل مجموعة من رجال أعمال لأن مواقفه وطروحاته تتعارض ومصالحهم ومشاريعهم بإقليم ولاية ما،" فيحركون أطرافا ضده لإخطار المحكمة الدستورية ويجرد تعسفا من حصانته". ويضيف أنه قد تكون أيضا لنائب أفكار سياسية تتعارض وتوجهات مجموعات معينة، فيتخذون الإجراءات لتجريده من حصانته البرلمانية، وهو ما جعل المتحدث يشدد على أهمية أن يترجم المشرع مستقبلا "الإجراءات الخاصة بإخطار المحكمة الدستورية بشكل يضمن عدم وقوع الإخطارات الكيدية التي ستعيق العمل البرلماني وتجعل النائب مسلوب الإرادة رغم أنه يتمتع بعهدة شعبية سيدة". وعبر العديد من النواب عن أملهم في أن تكون القوانين المنبثقة عن التعديل الدستوري القادم في شق الحصانة البرلمانية، ضامنة لسيادة منتخبي الشعب وغير مقيدة لهم، وألاّ تكون متابعات الفساد التي ميزت الحقبة الماضية هي المرجعية في العمل البرلماني، كون المسؤولين عنها قيادات الأحزاب التي اختارت أشخاصا عبثوا بالعهدة البرلمانية وكيفوها على مقاس مصالح من اشتروا لهم العهدة.