* email * facebook * twitter * linkedin تباينت أراء البرلمانيين، حول التعديلات التي وردت في مسودة المشروع التمهيدي لتعديل الدستور والخاصة بمهام السلطة التشريعية، حيث أبان أغلبية ممن استطلعت "المساء" أراءهم تأّييدا للاقتراح المرتبط بتقييد العهدات البرلمانية باثنتين فقط، من حيث أنه يحقق مبدأ التداول التمثيل النيابي بغرفتي البرلمان، حتى لا يبقى حكرا على فئة دون غيرها، فيما قدر آخرون أن هذا الإجراء يتعارض مع أعراف الديمقراطية ويعد انتهاكا لخيار الشعب الذي يستمد منه المنتخب سلطته وتفويضه. في المقابل، أشاد البرلمانيون بالتدقيق في استعمال الحصانة وحصرها في ممارسة المهام البرلمانية، لما في ذلك من وقاية من الفساد، بينما اعتبروا تسقيفها خطرا كبيرا وتقييدا للنائب، مطالبين، من جانب آخر، بإلغاء الثلث الرئاسي بمجلس الأمة، "كونه معرقلا للتشريع في غالب الأحيان"، مبرزين أهمية أن تكون الحكومة وكذا نائب رئيس الجمهورية منبثقين عن الأغلبية البرلمانية. استقبل أعضاء مجلس الأمة ونواب المجلس الشعبي الوطني، باعتبارهم الذراع الأساسي للسلطة التشريعية مسودة الدستور الجديد بكثير من الاهتمام، لا سيما وأنها جاءت بتعديلات تخص تنظيم وعمل السلطة التشريعية، تبنتها اللجنة على ضوء الممارسات السابقة ومخلفات المرحلة الماضية، أملا في أن تستعيد المؤسسة التشريعية هيبتها و وقارها وتعود إلى أحضان الشعب وتكون في مستوى التحديات التي تواجه البلاد. وشملت التعديلات البارزة التي تضمنتها وثيقة المسودة استثناء أدرجه المشرع لأول مرة ويتمثل في تقييد العهدات البرلمانية وحصرها في اثنتين فقط، بالنسبة لنواب المجلس الشعبي الوطني وأعضاء مجلس الأمة، حيث نصت المادة 127 في البند 6، على أنه لا يمكن ممارسة أكثر من عهدتين منفصلتين أو متتاليتين لنواب وأعضاء مجلس الأمة، بعدما كانت هذه العهدات مفتوحة. كما حددت المادة 134 سقف الحصانة البرلمانية التي يتمتع بها الأعضاء والنواب وحصرتها فقط في الأعمال المرتبطة بممارسة مهمة، كما هو محدد في الدستور، لتفتح المادة 135 إمكانية المتابعة القضائية لأعضاء مجلس الأمة ونواب البرلمان في إطار الأعمال غير مرتبطة بمهامهم البرلمانية. في هذا الإطار، اعتبر عضو مجلس الأمة عن حزب جبهة التحرير الوطني(أفلان)، عبد الوهاب بن زعيم، في تصريح ل"المساء"، أن تقييد العهدات باثنتين، "أمر إيجابي، باعتباره من المسائل الأكثر طلبا من طرف الشعب"، مشيرا إلى أنه يقترح، من جهته، أن يعمم الأمر على جميع المجالس المنتخبة "لأن هناك رؤساء بلديات ورؤساء مجالس ولائية، قبعوا في مناصبهم لأكثر من 4 و5 عهدات"، قبل أن يضيف بأن "نفس الأمر ينطبق على العضوية في المحكمة الدستورية.. والنقابات والموثقين والمحامين والغرف التجارية والفلاحية والصناعية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ومجلس حقوق الإنسان وغيرها من الهيئات والمؤسسات" موضحا أنه بتقييد العهدات يمكن إعطاء الفرصة للتجديد والتشبيب والتداول بما يتماشى وتطور المجتمع. ومن الاقتراحات التي ساقها السيناتور بن زعيم، أن يكون تعيين رئيس الحكومة وأعضائها من القائمة الفائزة بالانتخابات التشريعية أو الأحزاب المتحالفة وأن يخضع تعيين أعضاء الحكومة ورئيسها لتزكية البرلمان، بنيل الثقة بأغلبية الأعضاء. "واذا لم تنل الحكومة الثقة، تسقط لتعين حكومة جديدة.. وفي حال لم تحظ بالثقة مرة أخرى تجرى انتخابات تشريعية جديدة". اقتراح تعيين الحكومة ونائب الرئيس من الأغلبية واقترح بن زعيم إعطاء نفس الصلاحيات التشريعية والرقابية لمجلس الأمة، حيث يقتصر دور مجلس الأمة في الوقت الراهن على مناقشة القوانين، دون إمكانية تعديلها عكس الصلاحيات المخولة للمجلس الشعبي الوطني في مجال التشريع.. كما اقترح أن يكون نائب الرئيس المعين من قبل رئيس الجمهورية من الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية، حتى يكتسى الصفة الانتخابية من طرف الشعب، خاصة في حال كانت له نفس صلاحيات رئيس الجمهورية. وطالب بن زعيم بتعديل المادة 208 من الدستور الحالي، لتجنب تعديل الدستور بمجرد انتخاب رئيس جديد مستقبلا، حيث قال في هذا الصدد "الأفضل تعديل هذه المادة، لكي يصبح إجراء أي تعديل في الدستور مستقبلا، باقتراح من رئيس الجمهورية وبموافقة البرلمان وجوبا، بالأغلبية وبالانتخاب السري، بمعنى النية والرغبة في التعديل وليس التعديل في حد ذاته..". من جهته، دافع السيناتور عبد المجيد مختار، عن عملية تقييد العهدات الخاصة بالنواب وأعضاء مجلس الأمة، مشيرا إلى أن الإجراء يحقق مبدأ التداول على السلطة، "حتى وإن كان يتعارض في بعض الأحيان مع الديمقراطية وخيار الشعب، لأن هناك ممثلين ينالون ثقة المواطن لأكثر من عهدتين، خاصة بعد الممارسة الطويلة التي تمنح للنائب الخبرة في مسايرة مطالب وتطلعات الشعب..". أما بالنسبة لعدم اشتراط تعيين الحكومة من الأغلبية البرلمانية، وإرجاع تعيينها إلى تقديرات رئيس الجمهورية، فيعود ذلك، فذلك إجراء يرتبط، حسب السيناتور مختار، بطبيعة النظام، سواء رئاسي أو شبه رئاسي، والذي يعطي صلاحيات للرئيس في تعيين الحكومة التي تطبق برنامجه وليس برنامج الأغلبية البرلمانية والأحزاب، مضيفا أن هذا الأمر طبيعي في دولة تمر بمرحلة جديدة من الديمقراطية وتمتاز بأحزاب فتية في تركيبتها وانتشارها في الوسط الشعبي. أما فيما يتعلق بتقليص حدود الحصانة البرلمانية، أشار محدثنا إلى أنه "يجب أن يعطى للنائب المجال الكافي لممارسة مهامه، بعيدا عن المضايقات التي قد يتعرض لها في حياته العامة، حتى يتحرر في مهامه النيابية لخدمة المواطن، دون ضغوطات من هيئات أخرى"، مضيفا بأن "الحصانة البرلمانية ليست امتيازا كما يعتقد البعض، بل هي حماية لصوت الشعب من خلال ممثليه". على العكس من زميليه يدعم السيناتور عمر بورزق، جميع التعديلات التي مست المحور الخاص بالسلطة التشريعية من تقييد للعهدات وتقليص للحصانة البرلمانية وعدم اشتراط أن تكون الحكومة من الأغلبية البرلمانية. كما ثمنت النائب عن حركة مجتمع السلم فاطمة سعيدي، ما جاء في المسودة من تحديد لعهدات النائب بعهدتين فقط، واعتبرته "أمرا جيدا"، لأنه يحقق، حسبها، التداول ولا يبقي مقعد النائب أو عضو مجلس الأمة حكرا على مجموعة من النواب والأشخاص. في هذا السياق، قالت محدثتنا، "لقد لاحظنا أن البعض بقوا في البرلمان منذ بداية التعددية ولم يعد بإمكانهم تقديم الكثير وهذا من شأنه حرمان طاقات كثيرة من الكفاءات السياسية أو من المجتمع لتبوأ هذه المناصب وانتفاع البلاد بمؤهلاتها". وبالنسبة لما ورد من اقتراحات بخصوص الحصانة، اعتبرت النائب سعيدي الإحالة على القانون لتحديد شروط أخرى لرفع الحصانة، "يعد انحرافا لمفهوم ومبدأ الحصانة وفلسفتها التي تجعل من ممثل الشعب حرا في التعبير عن آرائه وله القدرة على مراقبة عمل الحكومة"، متأسفة لحذف الفقرة الثانية من المادة 126 للدستور الحالي والتي كانت، حسبها، واضحة. واقترحت النائب، من جانب آخر، إلغاء الثلث الرئاسي بمجلس الأمة "كونه، كثيرا ما يكون ثلثا معطلا للمشاريع والاقتراحات، باعتباره معين من السلطة". أما بالنسبة لما ورد حول المحكمة الدستورية، فقد لاحظت النائب سعيدي أن التعديلات أبقت على ألية الانتخاب بالنسبة لاختيار ممثلين عن المحكمة العليا ومجلس الدولة، "لكنها في المقابل أقصت النواب ممن لهم الاختصاص، في عضوية المحكمة الدستورية، عندما أعطت لرئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس الأمة حق تعيين من غير المنخرطين في الأحزاب السياسية"، واعتبرت ذلك "انتقاص من وزن البرلمان الذي يمثل الشعب"، ما يتناقض، حسبها، مع الأسس الديمقراطية في التمثيل داخل مؤسسة مهمة كالمحكمة الدستورية ويغلب طابع التعيين على الانتخاب (8 معينين و4 منتخبين). من جانبه، يشجع النائب عن الأفلان، الدكتور الهواري تيغرسي، تحديد عهدة البرلمان بعهدة قابلة للتجديد مرة فقط، مشيرا إلى أنه سجل خلال تجربته الشخصية أن النواب من أصحاب العهدات المتتالية التي فاقت العهدتين، قل نشاطهم في البرلمان، ما يدفع إلى إعطاء فرصة للآخرين.. في المقابل، لم يخف نفس النائب، مخاوفه فيما يخص تسقيف الحصانة البرلمانية، حيث يمكن يحول هذا الإجراء حسبه، دون ممارسة البرلماني لمهامه الرقابية على الولاة ورؤساء الدواء وأعضاء الحكومة. وأضاف، أن تقليص حجم الحصانة سينجر عنه ضغوطات إدارية أو حكومية وبالتالي ينقص نشاط النائب الذي يصبح يهاب السلطات الأخرى، مقترحا في هذا الإطار، سحب هذا التعديل.. تقييد العهدات يتعارض مع الديمقراطية وخيارات الشعب واعتبرت النائب عن حركة النهضة، سامية خمري، تحديد العهدات البرلمانية وحصرها باثنين فقط تقييدا للممارسة الديمقراطية وتضييقا على اختيار الشعب السيد، داعية إلى النظر المسالة من زاوية أخرى، وهي "تجريم التزوير الانتخابي الذي صاحب الانتخابات البرلمانية منذ 1997، إلى يومنا، بشهادة ممن مارسوا التزوير واستفادوا منه ذاتهم". وتعتقد محدثتنا أن طرح هذه المادة يؤدي إلى "تمكين الإدارة من السيطرة على البرلمان بغرفتيه، لأنه بهذه الكيفية يفقد أعضاءه المنتخبين من ذوي الخبرة العملية". وأضافت أن "الانتخابات الحرة والنزيهة هي المصفاة الوحيدة لاختبار ممثلي الشعب النزهاء والأكفاء وأصحاب القدرة والخبرة"، مطالبة في سياق آخر، بأن تكون الحكومة منبثقة من الأغلبية البرلمانية. من جهته، يرى النائب يوسف ماضي عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي، أن تقييد العهدة البرلمانية "فيه نوع من التضييق والغلق وهو منافي للديمقراطية ويتعارض مع مبدأ الحرية أصلا..". وأبدى المتحدث في تصريح ل "المساء" تخوفه من تقليص سقف الحصانة البرلمانية، لما لذلك، حسبه، من ضرر على مهام الرقابية للنائب، فيما عبر النائب عن الأفلان محمد مساوجة عن رفضه لتحديد العهدة البرلمانية بعهدتين، تقديرا منه أن هذا الطرح يتعارض ومبدأ الديمقراطية، "كما أنه إذا كان المنتخب فعال في عهدته وإيجابي في ما يقدمه من قيمة مضافة للوطن ولدائرته الانتخابية، فلا مانع من إعطائه فرصة أخرى للترشح". واقترح في المقابل تشديد شروط الانتقاء والترشح لهذا المنصب. وإذ أشار إلى أن "جل الدساتير العالمية لا تحدد العهدة النيابية وإنما تحدد العهدة الرئاسية فقط، دعا إلى مساوجة إلى تعميم هذا الطرح في حال اعتماده على كل المجالس المنتخبة.." مبديا من جانب آخر، معارضته لمراجعة الحصانة البرلمانية، مع عدم القياس على من استغلوها في غير موضعها.