الحديث عن مولود قاسم من جميع زواياه وأبعاده الإنسانية والفكرية يتطلب أكثر من ندوة وملتقى لإعطاء الرجل حقه المؤثر في الساحة الفكرية والسياسية التي يبرز فيها بوضوح، هذه الشخصية التي أبت إلا أن تكون وطنا بكل أبعاده الثقافية، استوقف يوم أمس ثلة من الرجال الذين عملوا معه وزاملوه في الدراسة ورافقوه في إنجازه الفكري من خلال ملتقيات الفكر الإسلامي حجّوا إلى المكتبة الوطنية حيث اكتظّت بهم القاعة الحمراء ليقولوا كلمة حق حول هذه الشخصية فنظموا له ندوة فكرية حول سيرته وأعماله والمبادرة كانت من المكتبة الوطنية الجزائرية بالتنسيق مع المجلس الإسلامي الأعلى والمجلس الأعلى للغة العربية بإيحاء من مؤسسة مولود قاسم التي يترأسها الأستاذ عبد الحميد مهري· عندما يُذكر مولود قاسم تُذكر الأصالة والمعاصرة، الرجل المتفتح، ففي جانب المعاصرة فإن جيلنا اليوم يراه كما قال الدكتور الأمين الزاوي "الصورة التي نحتفظ بها لهذا المفكر حبه للغة العربية وشجاعته في تنظيم ملتقيات الفكر الاسلامي، وهو الرجل الذي كان يشتغل في السياسة بعقله وبقلبه فكان السياسي المثقف والمثقف السياسي"· أما الأستاذ عبد الحميد مهري فقد لامس بعض التفاصيل البعيدة في شخصية مولود قاسم الذي زامله في الدراسة ورافقه على درب الكفاح والحرية فقال: "زميلي في الدراسة ورفيق دربي في الكفاح الوطني وهو صديق، والصداقة لا نستطيع توريثها وهي مصدر دفء وتبقى تجربة مولود قاسم سلوكا وفكرا فهو يختصر واحدة من أهم المشاكل التي تعترض مجتمعنا وهي فكرة تبني الأصالة والتفتح، وهذه الفكرة سيطرت على فكر مسار مولود قاسم السياسي والفكري، وهذه المعادلة ليست بالبسيطة وبعثها مولود قاسم كتكامل ضروري لإنماء شخصية الفرد والنهوض بالمجتمع"· أما الأستاذ الأمين بشيشي فقد تكلم عن جوانب أخرى في شخصية الرجل منذ كنا ندرس معا في جامع الزيتونة 1947 1948 حينما تكلم الزعيم التونسي واصفا طلبة الزيتونة بقوله: "دولتنا لا تُبنى بنواقض الوضوء"، فاعتبرها مولود قاسم رحمه الله استفزازاً وحرّض على إضراب عن الطعام إذا لم يتم إدخال المواد الحية لجامعة الزيتونة، بالإضافة إلى أنه شارك في تمثيل المسرحيات من أجل مساعدة الطلبة المعوزين· أما الأستاذ أبو عمران الشيخ رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، فقد تناول شخصية مولود قاسم من كونه يحسن عدة لغات باعتباره رجل جامعة وموسوعة من حيث أنه جمع بين السياسة والثقافة العامة والأدب والفلسفة وأنه صاحب حوار وحجة إضافة إلى قدرته على المطالعة وذاكرته الخارقة، كما أن له إهتمام بارز بالتاريخ وقد وقعت بينه وبين محفوظ قداش رحمه الله، نقاشات حول إن كان وجود الدولة العثمانية نوع من الاستعمار· أما الأستاذ محمد العربي ولد خليفة رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، فقد تناول شخصية مولود قاسم من ناحية منهج ومسلكية مولود قاسم في خدمة القضية الوطنية ومشروعها الحضاري، واعتبر أن مولود قاسم صاحب قضية ولم يكن مجرد مسؤول سام في الدولة الجزائرية، مشروع استمد منطلقاته من انخراطه في سن مبكرة في مدرسة الحركة الوطنية، حزب الشعب والانتصار، كما أنه كان رجل دولة وهو في ريعان الشباب فتعلم لغات أقوام لم يعرف شيئا عنهم من قبل، كما عمل على إحياء وتحديث جوامع الأمة والعربية فكرا ولسانا وبيانا· ودعا الأستاذ ولد خليفة إلى إنتاج مسلسل وثائقي يعرض محطات من حياته ونشاطه وأفكاره· كما اقترح الدكتور العربي ولد خليفة التصالح مع ذاتنا الحضارية لتأسيس كراسي جامعية ومراكز بحث تعنى بمقاربات الإمام بن باديس ومالك بن نبي ومولود قاسم وعبد المجيد مزيان ومحاضير محمد، كما اقترح أن تسمى حديقة الحامة وقسما منها باسم حديقة أعلام أو "عظماء" الجزائر في كل العصور·أما الأستاذ محمد الصغير بن لعلام فقد سلط الضوء حول ملتقيات الفكر الاسلامي· ومن جانبه الأستاذ عبد الله بوخلخال قرأ الكتاب التكريمي حول فكر مولود قاسم وثقافته الموسوعية·وكان يوم أمس يوما لمولود قاسم الرجل المفكر والإنسان وصاحب قضية والذي بقيت بصماته تشهد على أنه رجل فكر وأصالة ومعاصرة.