قررت الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المملكة المغربية، ابتداء من يوم أمس، على خلفية العدائية المتواصلة للجارة الغربية التي ثبت تعاونها بشكل وثيق مع المنظمتين الإرهابيتين المدعوتين "ماك" و"رشاد" المتورطتين في الجرائم المرتبطة بالحرائق المهولة التي شهدتها مؤخرا العديد من ولايات الوطن، فضلا عن عدم رد الرباط على الاستفسار الذي رفعته وزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج يوم 16 جويلية الماضي، بخصوص "الانحراف الخطير جدا" لأحد مفوضيها الذي تحدث عما يسمى ب"حق تقرير المصير للشعب القبائلي". وقال وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، رمطان لعمامرة، في ندوة صحافية حضرتها وسائل الاعلام الوطنية والدولية بالمركز الدولي للمؤتمرات عبد اللطيف رحال، أن خطابي العاهل المغربي "لم يأتيا بجواب ولا بالتوضيح الذي كان كل عاقل ينتظره وضاعت الفرص دون أن يأتي الكلام المطلوب من باب المسؤولية والاحترام، فتم اتخاذ القرار الذي قدمته اليوم (أمس). الجزائر ترفض السياسات أحادية الجانب بعواقبها الكارثية وأوضح الوزير أن قطع الجزائر علنيا ورسميا العلاقات الدبلوماسية مع المملكة المغربية، جاء بعد نفاد الصبر، مما دفع بالمجلس الأعلى للأمن إلى إصدار قرار بمراجعة العلاقات مع الجارة الغربية، مضيفا بأن "الجزائر ترفض الخضوع لسلوكيات وأفعال مرفوضة تدينها بقوة، مثلما ترفض منطق الأمر الواقع والسياسات أحادية الجانب بعواقبها الكارثية على الشعوب المغاربية، حيث لم توضح الرباط ما إذا كان تصريح المفوض المغربي "يلزمه كشخص أو يلزم المملكة كجار أو كدولة". كما أشار رئيس الدبلوماسية الجزائرية إلى أن "الجزائر ترفض كذلك الإبقاء على وضع غير اعتيادي يجعل المجموعة المغاربية في حالة من التوتر الدائم تتعارض كليا مع المبادئ والقواعد المنظمة للعلاقات الدولية ولعلاقات الجوار والتعاون". وأضاف الوزير لعمامرة أن "الرباط جعلت من أراضيها منصة تسمح لقوى خارجية بالإدلاء بتصريحات عدائية ضد الجزائر، مشيرا إلى أنها "لم تتوقف عن فعل أعمال غير ودية وأعمال عدائية ودنيئة ضد بلدنا منذ استقلال الجزائر والتي كانت آخرها الاتهامات الباطلة والتهديدات الضمنية التي أطلقها وزير الخارجية الاسرائيلي خلال زيارته الرسمية للمغرب". وأضاف بأنه أنه لم يسمع منذ عام 1948 أي عضو في حكومة إسرائيلية تصدر عنه أحكام أو يوجه شخصيا رسائل عدوانية من أراضي دولة عربية ضد دولة عربية أخرى مجاورة، مثلما حدث في المغرب وبحضور وزير خارجية المغرب، الذي كان بشكل واضح المحرض الرئيسي لمثل هذه التصريحات غير المبررة، في الوقت الذي اعتبر فيه لعمامرة هذا الأمر "يتعارض مع كل الأعراف ومع كل الاتفاقات الجزائرية-المغربية"، مما يدل "على العداء الشديد والاندفاع المتهور دون أدنى قيد أو حدود". وفي سياق استعراضه للمواقف العدائية للمخزن المغربي، استنكر وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج "عمليات التجسس الكثيفة التي تعرض لها مواطنون ومسؤولون جزائريون من قبل الأجهزة الاستخباراتية المغربية باستعمال تكنولوجيا إسرائيلية"، مضيفا أن فضيحة برنامج "بيغاسوس" كشفت بما لا يدع مجالا للشك تورط المغرب في هذه القضية. قطع العلاقات لا يطول النشاط القنصلي وأوضح، لعمامرة أن قطع العلاقات الدبلوماسية لا يعني بأي شكل المساس بالمواطنين المقيمين في الجزائر والمغرب، مضيفا أن قنصليتي البلدين ستزاولان عملهما بشكل عادي لتلبية احتياجات الجاليتين، في حين أن قرار تمديد عقد أنبوب الغاز الذي يربط بين الجزائر وإسبانيا مرورا بالمغرب، يخضع لمعاملات دولية والمسؤولية تقع على شركة سوناطراك لاتخاذ القرار المناسب. وعرج السيد لعمامرة على المسار التاريخي للعلاقات الثنائية التي تميزت بالمشاحنة لدرجة دفعت بالمغرب إلى قطع علاقاته مع الجزائر في 1976 بسبب وقوف الجزائر إلى جانب القضية الصحراوية العادلة، وصولا إلى معاهدة حسن الجوار، حيث قرر البلدان في 1988 تطبيع علاقاتهما، ليليه التوقيع على معاهدة حسن الجوار والتعاون سنة 1989. وقال إن استئناف العلاقات بين البلدين تمت صياغته وفق 4 معايير هامة، تتمثل في تعزيز علاقات قوامها حسن الجوار والتعاون بين الشعبين وإعادة التأكيد على المعاهدات بين البلدين والمساهمة الفعالة في بناء المغرب العربي وتعزيز التعاون العربي والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وتحرير جميع الأراضي المحتلة، فضلا عن دعم حل عادل و نهائي لنزاع الصحراء الغربية عبر تنظيم استفتاء نزيه يسمح للشعب الصحراوي تقرير مصيره دون إكراهات. وأشار الوزير إلى أن الجزائر ترفض التدخل في الشؤون الداخلية للمغرب مهما كانت الظروف، حيث أظهرت مواقفها الموثقة بوضوح خلال الأزمات الامنية والسياسية الخطيرة التي هددت أمن المملكة، مضيفا أنه "على عكس ذلك تشن أجهزة الأمن والدعاية المغربية حربا شنيعة ضد الجزائر وشعبها وقادتها. كما تخلق سيناريوهات وتنشر معلومات مغرضة لا تمت للواقع بصلة، مثل دعمها للمنظمتين الارهابيتين "ماك" و"رشاد" التي اتهمها الوزير أيضا بضلوعهما في" عملية التعذيب والقتل الهمجي الذي راح ضحيته المواطن جمال بن اسماعين، عندما تنقل إلى ولاية تيزي وزو للمساعدة على إخماد الحرائق. عمل قضائي وأمني لتطبيق القانون على المتورطين في الإرهاب بالخارج وفي رده على سؤال حول تعاون الجزائر مع بعض الدول التي يتواجد بها بعض المتورطين في قضايا الارهاب، أكد لعمامرة أن الدبلوماسية الجزائرية ملتزمة بالسهر على تطبيق القانون على الجميع دون استثناء، خاصة فيما يتعلق بالقوانين المحلية التي تحافظ على سيادة الدول للوقاية من الارهاب واستئصاله، مشيرا إلى أن هناك عملا قضائيا وأمنيا يرمي إلى تحقيق الأهداف المسطرة "وهو أن يطبق القانون الجزائري على الافراد الذي يقومون بأعمال ممنوعة على ترابها"، حيث سيكون ذلك، حسبه، "من أولويات السياسة الخارجية للجزائر، حتى تنتزع من الجزائري المتواجد خارجا صبغة الإرهاب". على الصعيد الاقليمي، أكد وزير الشؤون الخارجية، أن أمن واستقرار تونس مهدد من طرف حركات إرهابية سواء كانت تونسية أو حركات متواجدة في المنطقة، خاصة على التراب الليبي، وقال "إن الجزائر تتعاون مع تونس الشقيقة في المجالات الأمنية والعسكرية وتتقاسم معها المعلومات الاستخباراتية والتحاليل السياسية"، مشيرا إلى أن الزيارات المتكررة لتونس مؤخرا، تدل على هذا الاهتمام الشديد من الجزائر وعلى الالتزام بأن "نكون أذنا صاغية للأوضاع في تونس الشقيقة وأن نتجند مع الأشقاء إلى غاية تخطي تونس لهذه المرحلة من تاريخها بسلام. وأكد في هذا الخصوص أن "الجزائر حريصة على أن يترك للشعب التونسي الحق في اختيار نظامه الدستوري وترتيب أموره السياسية". وبخصوص الأزمة الليبية، أكد لعمامرة على ضرورة أن تجتمع دول جوار ليبيا من أجل مساعدة الليبيين على استكمال المسار السياسي للمصالحة الوطنية الذي تشرف عليه منظمة الأممالمتحدة، في إشارة إلى الاجتماع الذي ستحتضنه الجزائر قريبا. وفي حين أوضح أن "تسوية الأزمة الليبية يجب أن تتم من قبل الليبيين، دعا إلى وضع حد للتدخلات الخارجية وتدفق الأسلحة وخروج المقاتلين الأجانب والمرتزقة. وحول منطقة الساحل والصحراء، التي وصفها الوزير "بالحيوية بالنسبة للجزائر"، أكد أن كل ما تقدمه الجزائر هو للدفاع عن سيادتها وأمنها وسلامتها وكذا أمن وسلامة الدول الشقيقة الساحلية والصحراوية، مجددا في هذا الصدد التزام الجزائر بالعمل إلى جانب الاشقاء الماليين لتحقيق كل مبادئ اتفاق السلم والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر. وشدد لعمامرة من جهة أخرى، على أن موقف الجزائر يبقى ثابتا بخصوص القضية الصحراوية، حيث ستواصل مطالبة الأممالمتحدة بأداء واجبها كاملا غير منقوص، تجاه حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، مضيفا أن "مشكل الصحراء الغربية، كان من بين الأمور الأساسية التي نوقشت وتم الاتفاق حولها بين الجزائر والمملكة المغربية سنة 1988، عندما قدم وفد رفيع المستوى إلى الجزائر وتفاوض حول شروط استئناف العلاقات الدبلوماسية ولم يتجاهل أي أحد آنذاك المسالة الصحراوية".