قدم الدكتور ابراهيم سعيود من جامعة الجزائر "2"، ندوة بعنوان "التاريخ والوثيقة... وثائق تاريخ الجزائر الحديث المحفوظة في دور الأرشيف الإيطالية"، بمكتبة "الشهيد مسعود قيدوم" برأس الوادي، من تنظيم فرع برج بوعريريج للجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية. الندوة ترأسها الجلسة، وسير حيثياتها الدكتور الصالح بن سالم من جامعة برج بوعريريج، حيث أشاد بالدور الذي تضطلع به الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية فرع برج بوعريريج في تفعيل النشاط الثقافي والخروج بالعمل الأكاديمي ومخرجاته من الجامعة إلى المؤسسات الثقافية ذات الارتباط بفئات خارج الجامعة، الشيء الذي يدفع نحو دمقرطة الثقافة وإتاحتها، مشيرا إلى أن هذه الندوة جاءت كإعلان لبداية موسم ثقافي جديد، بعد أن اختتمت الجمعية موسمها السابق بتنظيم ملتقى دولي حول "فلسفة الفعل"، احتفاء بالمنجز الفلسفي للراحلين البشير ربوح ومحمد الصادق بلم رحمهما الله يومي 24 و25 جويلية 2021 بقاعة "المجاهد محمد الطاهر سخارة" في مدينة رأس الوادي. المدينة التي وصفها بن سالم بمدينة "العلم والعلماء" للأسماء التي مرت عليها، كمحمد البشير الإبراهيمي ومحمد العربي بن التباني وأحمد عاشور. بالمناسبة، أشار الأستاذ الدكتور ابراهيم سعيود، إلى الأهمية المحورية للوثيقة في كتابة التاريخ "فإذا غابت الأصول، غاب التاريخ"، لكنه شدد في الوقت نفسه، على أن استغلال الوثيقة في التأريخ، ينبغي أن يصحبه وعي بمحتواها وهدفها وخلفياتها، لذلك نبه إلى ضرورة التعامل مع الوثائق بحذر ودقة، وهو ما يذهب إليه الكثير من المؤرخين العالميين والجزائريين، على غرار مولاي بلحميسي. عرج سعيود على أحداث تاريخية مهمة في تاريخ الجزائر الحديث وقوى البحر الأبيض المتوسط، حيث تطرق إلى مفاهيم تثير بعض الالتباس، كالجهاد البحري والقرصنة، كما مر بتاريخ إيطاليا وتراتبات الوظائف والمؤسسات الكنسية، وقدم في ثنايا ذلك تجربته المهمة في البحث الأرشيفي، مما مكنه من الاطلاع على كم هائل جدا من الوثائق المتعلقة بالتاريخ الجزائري الحديث في الأرشيفات الإيطالية مقسمة عبر القرون والسنوات، والتي أُنتجت لأسباب مختلفة، بعضها سياسي وبعضها اقتصادي واجتماعي وثقافي، كتقارير الممثلين القنصليين، المبعوثيين الكنسيين، وثائق التعميد، رسائل الأسرى. وقد وجه الباحث شكره وامتنانه لمدير مركز بروبغندا فيدي، الذي قدم له تسهيلات كبيرة، وأشار إلى الظروف التي تتاح للباحث في الأرشيفات الإيطالية، ومستوى التنظيم والاهتمام بهذه المراكز وتجند أطقمها لخدمة الباحثين القادمين من مختلف بقاع الأرض. كما استعرض الباحث جملة من الوثائق باللغتين الإيطالية والعربية، قرأ أجزاء منها، بين خلفياتها وظروفها، الأمر الذي يمكن من الكشف عن حقائق تاريخية دقيقة تغيب عن روح التاريخ، وعمل المؤرخ الذي لا يعتمد عليها أو لا يصلها. تحدث ابراهيم سعيود الذي أصدر في العام الفارط، كتابا مهما حول "الأسرى المغارب في إيطاليا خلال الفترة الحديثة بين القرنين 16-18م / 10-12ه، دراسة في أوضاعهم الاجتماعية في ضوء الوثائق الإيطالية"، بإسهاب عن وضعية الأسرى المغاربة والجزائريين، خاصة في المدن الإيطالية، حياتهم الاجتماعية والدينية، تعميدهم من طرف الكنيسة، فداء الأسرى. وعلى مدار ما يقارب ساعتين من الزمن، عرج سعيود على قضايا كثيرة، تندرج ضمن موضوع الأرشيف والوثيقة، وقد تلى هذه المحاضرة القيمة نقاش مهم، حيث تدخل جانب من الحضور الذي شهد الندوة من ولاية برج بوعريريج والولايات المجاورة، لطرح بعض التساؤلات والإشكاليات التي قام الدكتور سعيود بالإجابة عنها.