"حياة"، "غزالة"، "فاطمة"، "كرمينال" و"المطلقة"، هي عناوين المجموعة القصصية للكاتبة عقيلة بلامين، التي صدرت، حديثا، عن دار النشر "خيال"، بعنوان "حيوات". البداية بقصة "حياة"، التي تدور أحداثها حول وفاء التي تعشق الكتابة، إلا أنها لا تثق في قدراتها في هذا المجال، فهي تعتقد أن الإنسان قبل أن يصبح كاتبا عليه، بالدرجة الأولى، أن يطالع كثيرا، ومع ذلك عليها أن تصبح كاتبة قبل أن تجرَى عليها عملية جراحية؛ لعلّها لن تفيق منها أبدا. هل تخص العملية الجراحية قلبها المريض؟ لا، بل المرارة، حتى إن قلبها ليس مريضا إلى الدرجة التي كانت تعتقدها، وهذا بشهادة طبيب القلب البديل، وهكذا خرجت وفاء من المشفى، ومن ثم من عيادة أخصائي القلب، وكلها أمل في حياة أفضل رغم كل المصاعب التي تعيشها بعد طلاقها، من رجل ضعيف الشخصية، وتحت سطوة والدته؛ لأن من يملك صحة جيدة، يملك العالم. القصة الثانية تحمل عنوان "غزالة"، عن شابة تحمل نفس اسم القصة. جميلة وتحب الحياة، لكنها تعيش في وسط معقد من الجمال، ومن النساء الواثقات بأنفسهن والرافضات لحياة سمجة لا طعم لها، لكنها تتعرض لمحاولة الاعتداء من زوج عمتها، وعدم التفهم من والدها، الذي يطلب منها مغادرة البلد، والتوجه إلى فرنسا؛ حيث تقطن عمتها. سافرت غزالة إلى فرنسا، وبكت؛ لأنها ستغادر عائلتها رغم أنها لم تشعر أبدا بدفئها، فوالدها سي السيد لا يكلمها، ولا يفعل ذلك أيضا مع ابنتيه الأخريين؛ فهل ستجد عند عمتها ملجأ للحنان؟.. تجد غزالة عملا في قناة "الفنون" الفرنسية، لكنها تُطرد بعد أن ترفض أن يُسرق جهدها، وهذا بعد عملها لمدة ثلاث سنوات في دار نشر، سرقت، هي أيضا، عرقها. وتتعرض غزالة لانهيار عصبي، وتدخل مشفى لتتعالج، ثم تعود أكثر قوة، وهذه المرة عبر برنامج في قناة "النجاح"، لتحاور أوبرا وينفري. وعادت عقيلة في قصتها الثالثة "فاطمة"، إلى فترة الاحتلال الفرنسي، ودائما مع بطلة نسوية، وهذه المرة باسم "فاطمة"، التي عادت إلى بيتها العائلي بعد طلاقها، لكنها أُجبرت على ترك ابنها عند طليقها، وعاشت لا تعرف عن مصير ابنها شيئا. فاطمة التي كما نقول "كل اصبع بصنعة"، اشتغلت، واستطاعت أن تشتري لعائلتها بيتا، لكن أخاها سعيد لم يعترف أبدا بتضحياتها، حتى إنه كان يضربها، ولم يشأ أن تعيد ابنها إلى حضنها، فما كان من فاطمة إلا أن تزوجت وغادرت إلى فرنسا. وتتسارع الأحداث، ويكبر ابن فاطمة، ويتزوج وينجب بنتين. أما سعيد فينجب أربعا، يصبحن في كبرهن، عانسات. أما فاطمة فبعد أن تترمل، تقاطع الجميع، ثم تتوفى، ويعود جثمانها إلى أرض الجزائر. وبالمقابل، ولأجل والدته، يقوم محمد بإكرام خاله سعيد، فيتقرب منه، ويكسب مودّته وصداقته. القصة الرابعة تحت عنوان "كرمينال"، بطلتها مي التي أصيبت بكورونا، فتعامَل معها الزملاء في العمل، بحذر شديد؛ وكأنها مجرمة، لتعود مي إلى ذكريات مضت، حينما تطلقت، فأصبحت تتعاطى أدوية مضادة للاكتئاب بعد أن كانت تعتقد أنها مصابة بثنائية القطب، لكنها اكتشفت بعد معاينتها من الطبيب، أنها مصابة بالاكتئاب، وبالعديد من المخاوف. واعتقدت مي أنها لن تتناول هذه الأدوية أكثر من تسعة أشهر، مثلما قال لها الطبيب، لكن الأمر استمر أكثر من ذلك، فأدركت، حينها، أن التغيير ضرورة لا مناص منها، وأن "الابتعاد حيثما يدور القرح"، فرض لا شك فيه. القصة الأخيرة التي ضمّتها المجموعة تحمل عنوان "المطلقة". عرفت فيها عقيلة، كيف تصف حال المطلقة في مجتمعنا المنافق. حكت عن حنين، التي تطلقت بعد زواج لم يدم سنة واحدة، بفعل تسلّط حماتها، ومن ثم تطرقت لالتحاقها بالعمل كمدققة لغوية في مجلة رغم رغبتها العميقة في أن تصبح صحفية، إلا أنها فضلت التريث ريثما تتغير نفسيتها إلى الأحسن. حنين لم تجد الدعم من عائلتها ولا من أقاربها عموما، كما تعرضت لإهانات من طرف زملائها في العمل، فلجأت إلى الطبيب النفسي، الذي نصحها باستعادة حياتها من جديد، لتقرر حنين العمل بنصيحة الطبيب ولو ألزمها الأمر في البداية، أخذ عقاقير، ما كانت تعتقد أنها ستحتاج إليها يوما ما، لكن "لكل جواد كبوة"، والأهم من كل هذا، هو النهوض من السقطات التي نتعرض لها في حياتنا، والمضيّ قدما في هذه الحياة. واقع بدون تزييف ولا مغالاة للإشارة، كتبت عقيلة قصصها بروحها قبل أن تستعمل قلمها، لتخطّ هذه الكلمات التي تنبض واقعية، وهذا لا يعني أنها عاشت ما كتبته، لكنها تملك حسا بالآخرين، جعلها تكتب عن واقع صعب، لكنه غير ميؤوس؛ لأن الأمل قائم، والنصر آت لا محالة. وأكدت بلامين في قصصها هذه، أهمية اللجوء إلى الطبيب النفسي حينما تغلبنا الحياة، غير آبهين بأفكار الآخرين واعتقاداتهم السخيفة. أبعد من ذلك، فأحيانا لا بد من أخذ عقاقير ترافق العلاج النفسي، ليس للأبد، بل لفترة إلى أن يعود الإنسان إلى سكينته النفسية. ووصفت حال المطلقة، وكيف ينظر إليها المجتمع ويتعامل معها؛ وكأنها ارتكبت جريمة حينما أرادت أن تنقذ نفسها قبل الغرق في وحل زواج معكّر. لم تبالغ في وصفها ردةَ فعل البعض وإن اعتُبرت غير عقلانية؛ مثل بول زوج خال المطلقة بالقرب منها، حينما كانتا مستلقيتين على الرمال، أو حتى معايرة زملائها لها في العمل. كتبت عقيلة، أيضا، عن بعض الأمور التي تحدث في مجتمعنا، مثل تسلّط الأخت الكبرى في العائلة، وظلم الأب لبناته، والشخصية الضعيفة للأم، ونظرة الرجل الدونية للمرأة، وإنجاب البنات فقط، وغيرها من المواضيع التي تناولتها عقيلة بالكثير من الإحساس، والوصف الدقيق. واستعملت عقيلة في قصصها هذه، أبياتا شعرية وحكما وأقوالا، دليل على غزارة معرفتها بالأدب بما أنها متحصلة على شهادة ليسانس في اللغة العربية وآدابها. كما لم تستثن كتابة بعض البوقالات؛ تأكيدا منها على غزارة أدبنا الشعبي. "حيوات" هو أول إصدار لعقيلة بلامين، يقع في 84 صفحة، في انتظار صدور أعمال أخرى، لامرأة قررت الكتابة، لتنجو من أشواك الحياة بكل بساطة.