اتخذ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تدابير جديدة لتعزيز مكانة اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان وطنيا ودوليا، لمواصلة الجهود الرامية إلى تكريس مبدأ حقوق الإنسان في البلاد والاستجابة لحاجة المجتمع إلى هيئة تسهر على رعاية هذا الحق. ولقد جاءت خطوة الرئيس بوتفليقة خلال اجتماع مجلس الوزراء الأسبوع الماضي، من خلال إصدار تعليمات للحكومة باتخاذ خطوات عملية في صالح تعزيز دور ومكانة اللجنة الوطنية لترقية وحماية حقوق الإنسان التي أعلن عن ميلادها قبل ثماني سنوات لتؤكد على تجديد العهد مع إيلاء ملف حماية حقوق الإنسان المكانة التي يستحقها، وعلى أعلى مستوى. ويتعين على الحكومة ضمن التصور الجديد الذي رسمه الرئيس بوتفليقة الإسراع في طرح مشروع قانون يتعلق باللجنة يكون بديلا للمرسوم الرئاسي المؤسس لها، ويعني تحول النص المسير لعملها من مرسوم رئاسي إلى قانون خاص للارتقاء بها، وجعلها هيئة تتمتع بصلاحيات أوسع لأداء مهامها المحددة في الأساس في تسميتها وهي "حماية وترقية حقوق الإنسان". وتتماشى هذه النظرة مع تصور شامل لهذا الملف الحساس حمله الرئيس بوتفليقة في برنامجه الانتخابي المقدم للشعب منذ عهدته الأولى سنة 1999، واتخذ عدة خطوات من أجل تكريسه وكانت البداية عبر سن قانون الوئام المدني وأتبعه بميثاق السلم والمصالحة الوطنية، وسمحت المبادرتان بمعالجة قضايا شائكة مرتبطة مباشرة بملف حقوق الإنسان وآخرها ذلك المتعلق بملف المفقودين. والمؤكد كذلك أن ترقية وحماية حقوق الإنسان المضمونة بموجب أحكام الدستور حظيت بعناية خاصة من قبل رئيس الجمهورية، ومن نتيجة ذلك إنشاء اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان سنة 2001، ومن منطلق حرصه على المواصلة في نفس النهج بادر بتكليف الحكومة بإعداد مشروع قانون يهدف إلى تدعيم الأسس القانونية للجنة على نحو سيساهم في تعزيز مصداقيتها على الصعيد الدولي ولاسيما لدى منظومة الأممالمتحدة. ونظرا للأولوية التي تكتسيها هذه اللجنة بالنسبة لرؤية وتصور الرئيس بوتفليقة لموضوع ترقية حقوق الإنسان فقد قرر أن تبقى اللجنة خاضعة لوصاية رئيس الجمهورية "حامي الدستور والحقوق الأساسية والحريات العمومية". ومن منظور إعطاء اللجنة المكانة اللائقة فإنها ستتدعم بشخصيات وطنية مستقلة وخبراء جزائريين أعضاء في منظمات دولية لحقوق الإنسان إلى جانب ممثلي المجتمع المدني ومختلف الهيئات والأجهزة، وستضفي هذه التركيبة مصداقية أكثر على عملها وتمنحها دفعا قويا من حيث طبيعة العمل الذي تقوم به، وبخاصة ما ارتبط بالدقة وأهمية خلاصتها. ورغم أهمية اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان في ترقية هذا الحق فإن النظرة "الرئاسية" لتعزيز هذا الجانب كانت أشمل، ولم تقتصر فقط على تأسيس لجان تعنى بالدفاع عن هذا الحق بل اتخذت إجراءات أوسع سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية. فقد كانت أولى مبادرات الرئيس بوتفليقة تلك الخطوات الرامية إلى تعزيز السلم والأمن في البلاد، ونتائج الوئام المدني ثم المصالحة الوطنية خير دليل على تمكن البلاد من ضمان حق المواطن في العيش في كنف الطمأنينة، وفتحت تلك النتائج الأبواب واسعة أمام مباشرة مشاريع تنموية، وإصلاحات شملت أهم مجالات الحياة منها العدالة والتربية وهياكل الدولة. وعرفت البلاد في العشر سنوات الماضية إطلاق مشاريع ساهمت في تدارك الكثير من التأخر المسجل في البنى التحتية، وبدأ الحديث في الوقت الحالي عن فتح آفاق بناء اقتصاد قوي غير مرتبط بالمحروقات. ولكن مهما يكن من أمر فإن حماية وترقية حقوق الإنسان ليس مهمة لجنة وطنية أو عمل سلطات عمومية رغم الدور المحوري الذي يجب أن تلعبه تلك الجهات، بل هي مرتبطة مباشرة بالدور الذي يلعبه المجتمع في تحقيق ذلك، حيث يتعين على جميع شرائح المجتمع المساهمة بفاعلية في ترقية واحترام الحقوق والحريات الفردية وذلك من خلال الالتزام بأداء الواجبات، وتغليب الاهتمام بالصالح العام على المصالح الفردية.