أخذت الدروس الخصوصية في بلادنا، منحى وأبعادا خطيرة، رهنت مستوى التعليم ومستقبل الناشئة، إذ أصبحت تُفرض فرضا على المتمدرسين، وتُثقل كاهل الأولياء من محدودي الدخل. وحسبما وقفت عليه "المساء" في الميدان، فقد بلغت خطورتها حدود المساس بمجانية التعليم التي يضمنها الدستور، في غياب تدخّل مختلف الفاعلين في هذا القطاع الحساس، للحد من التجاذب الذي وقعت فيه المدرسة والمتمدرسون. يمثل موضوع الدروس الخصوصية في الجزائر، إشكالا يتجدد كل موسم في قطاع التربية والتعليم، وهو موضوع لا يحيد عن كونه وسيلة كانت في بداية ظهورها، تقتصر على "خدمات تعليمية" يقدمها أحدهم داخل محيط الأسرة. وتتوسع، أحيانا أخرى، لصالح أبناء الجيران بدون أي مقابل مادي. ولم يكن يتعدى عدد المتلقين واحدا أو اثنين على الأكثر. وكان الهدف من وراء هذه الممارسة التعليمية، دعم المتمدرسين من الذين يغيب عنهم التركيز، بعض الشيء، في الفصل، أو الذين يريدون استدراك بعض المفاهيم التي تكون فاتتهم لأسباب مختلفة. ومع مرور السنوات تطورت هذه الممارسة من حيث المفهوم والغاية، وأخذت منحى تصاعديا، وباتت تمثل خدمة مقابل المال لصالح ممتهنيها من المعلمين والأساتذة، وآخرين من خارج قطاع التربية. فئات المتمدرسين في أطوار التعليم "الخصوصيّ" تتباين الفئات التعليمية التي تسجل في "فصول" الدروس الخصوصية، بين تلك المنحدرة من عائلات ميسورة تستطيع سد كامل التكاليف مهما كان سعرها، وفئة ثانية تلجأ فيها العائلة، إلى تسقيف الاحتياجات اليومية للأسرة، لتوفير المبلغ الكافي. وبين هذا وذاك توجد فئة ثالثة لا يمكنها سد هذه الاحتياجات، وهو ما يعني أن الفئة الأخيرة لن يكون لها مع مرور الوقت، الحق في التعليم إذا أخذنا بعين الاعتبار، أن الدروس الخصوصية هي في الأصل تكملة للبرنامج المسطر، الذي يتم القفز عليه في أوقات التدريس داخل المؤسسات التعليمية "العمومية". وحتى المواقع الإلكترونية على غرار الديوان الوطني للتعليم والتكوين عن بعد الذي يقدم دروسا لمختلف الفئات التعليمية، تظل غير متاحة لجميع فئات المتمدرسين، من الذين لا يملكون الإمكانيات المالية، لسد تكاليف اقتناء الحواسيب، وتسديد خدمة الأنترنت. كما إن التردد على مقاهي الأنترنت يتطلب ميزانية من أولياء التلاميذ من الفئات محدودة الدخل. سلبيات خطيرة لاحظت "المساء"، عند اقترابها من أولياء التلاميذ في عدد من الأحياء بالعاصمة لرصد واستطلاع آرائهم حول موضوع الدروس الخصوصية، لاحظت نوعا من التذبذب والفوضى في أفكار وتصرفات العديد منهم، وكأننا ضغطنا على جرح قديم لم يندمل بعد، حيث كان رد الجميع بعفوية مطلقة، بأن واقع التمدرس جعلهم يركضون طوال السنة، في اتجاه معاكس لتيار المدرسة، لأن هذه الأخيرة حادت عن مبدأ مجانية التعليم لصالح مبدأ التعليم لمن يدفع أكثر. وبعيدا عن الجانب المادي لهذه العملية، فإن هذه الدروس تعمل على الإخلال بالمستوى التعليمي الفعلي للأبناء من وجهات نظر متعددة، منها غياب التركيز عن المتمدرسين في الفصول الرسمية، لأن لهم موعدا مع المدرّس الخصوصي، والذي يكون، في الأصل، المعلم أو الأستاذ. وحسب عدد من أولياء التلاميذ في تصريح ل "المساء"، يلجأ الأساتذة إلى عدم إتمام الدروس، وإعطاء موعد للتلاميذ في فصول الدروس الخصوصية، في مقرات يتم كراؤها من قبلهم، لتقديم ما يتبقى من الدروس. ويبقى غير القادرين على التسجيل فيها من التلاميذ والطلبة، بعيدين عن تحصيل ما يفوتهم في القسم. والأخطر في هذا الموضوع، لجوء بعض المعلمين والأساتذة، مثل ما أفادنا بذلك بعض التلاميذ وعدد من أوليائهم، إعطاء التلاميذ المسجلين عندهم، نماذج من التمارين التي تكون بصدد البرمجة في الامتحانات والفروض الفصلية والنهائية! وهو أمر أكده تصريح وزير سابق في التربية الوطنية، حول قضية تسريب مادة الفلسفة في امتحان البكالوريا، والتي أكدت التحقيقات بشأنها، ثبوت تورط أحد الأساتذة في إطار الدروس الخصوصية. وتؤكد سيدة من بلدية المحمدية، لجوء أستاذة في مادة الفيزياء، إلى توزيع نموذج من الامتحان الفصلي الخاص بهذه المادة، على التلاميذ الذين يزاولون الدراسة في القسم النظامي، والمسجلين عندها في فصل الدرس الخصوصي، وهو ما أدى إلى حصول هؤلاء المسجلين على علامات عالية دون غيرهم! وتضيف المتحدثة أن الأمر أحدث ضجة وسط التلاميذ بعد انكشاف الأمر، مضيفة أن المستوى تدنَّى بفعل هذه الممارسات، التي ترجع حسبها إلى غياب الضمير المهني. مدارس للدروس الخصوصية بسجلات تجارية يؤكد جل الذين تحدثت إليهم "المساء"، على لجوء الأساتذة والمعلمين بشكل صريح، إلى عرض خدمة الدروس الخصوصية على التلاميذ. ويتم على هذا الأساس، تنظيم جلسات لعرض حصص، يكون مضمونها استكمال البرنامج الدراسي، حيث يضربون لذلك موعدا في مؤسسات تحمل تسمية "مدارس الدروس الخصوصية"، أو مدارس الدعم المدرسي لجميع الأطوار. وحسبما توصلت إليه "المساء"، فإن هذه المدارس لها طبيعة تجارية محضة، إذ تحوز على سجلات تجارية، ولا يتطلب نشاطها أي ترخيص أو اعتماد، على عكس ما هو عليه الأمر بالنسبة لمدارس التكوين المهني الخاصة، وهو ما يعني ممارسة نشاطها خارج نطاق المراقبة والتأطير. ولا يمكن للجهة المكلفة بالتربية الوطنية والتعليم مراقبة هذه المؤسسات، فهي لا تدخل تحت وصايتها، لكنها تنشط، ضمنيا، في صميم المنظومة التعليمية. وتعتمد هذه المدراس أسعارا تتباين حسب الأطوار التعليمية الثلاثة. كما يتم احتساب سعر المادة الواحدة شهريا. وتكون بالنسبة للطور الابتدائي 1400 دينار للمادة الواحدة، و1600 دينار بالنسبة لمتمدرسي الطور المتوسط. كما يتم عند بداية كل سنة، احتساب 500 دينار إضافية في إطار التسجيل عن كل تلميذ، تمثل ثمن التأمين. من الابتدائي إلى المتوسط فالثانوي "الجميع معنيون" أكد عدد من أولياء التلاميذ في تصريح ل "المساء"، أن الدروس الخصوصية باتت مفروضة على جميع الأطوار التعليمية بدون استثناء. كما أكدت السيدة سامية من بلدية المحمدية، أن الأساتذة هم من يعرضون على التلاميذ خدمة الدرس الخصوصي، بحجة تكملة الدروس التي لا يمكن تقديمها في الأوقات المحددة للتدريس، لضيق الوقت، حسبهم. وتضيف المتحدثة أنه يتم تقديم الحصص في مقرات خاصة، يتم كراؤها خصيصا لجمع التلاميذ، وتقديم الدروس الخصوصية. وحسبها، فإن الأمر بات يُثقل كاهل أسرتها بالنظر إلى الأسعار المعتمَدة للمادة الواحدة. وتضيف أنها أم لبنتين، تدرس الصغرى في السنة الخامسة ابتدائي، والكبرى في السنة الثانية متوسط، قامت بتسجيل الأولى في مدرسة للدعم في مادة الفرنسية، ولا يمكنها سداد تكاليف المواد، في حين أن ابنتها الثانية تتلقى الدعم في مادة الرياضيات لا غير، وهو ما يكلف الأسرة، حسبها، 4 آلاف دينار شهريا، لتغطية مصاريف مادتين فقط، يضاف إليها 500 دينار كحقوق التسجيل لكل واحدة. وأكدت إحدى السيدات أن مصاريف الدروس الخصوصية تصل إلى 10 آلاف دينار شهريا. ولأنها لا تملك ما يكفيها من المال لسد احتياجات تمدرس ابنائها، فضلت تسجيل ابنها الذي يحضّر لشهادة البكالوريا دون أخيه الأصغر. وتلجأ في ظل هذا الوضع، حسبها، إلى الاستعانة بمواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتم عرض عدد من الدروس لفائدة الطلبة والتلاميذ في جميع الأطوار التعليمية. وتؤكد سيدة أخرى كانت برفقة ابنتها، أن التسجيل في الدروس الخصوصية لم يعد يقتصر على التعليم في الطور المتوسط والثانوي، بل انتقل إلى الابتدائي كذلك. وما زاد الطين بلة - حسب عدد من الأولياء - إصرار أبنائهم المتمدرسين على التسجيل في هذه الدروس، اقتداء بزملائهم الميسورين. وحسب السيدة نادية، فإن ظروف الأسرة المادية لا تسمح لها بتسجيل جميع أبنائها في الدروس الخصوصية، حيث تختار مادة واحدة لأحدهم، وتقع يوميا بهذا التصرف، في مشكل مع ابنتها الصغرى، التي تلح على تسجيلها، لأن معلمتها تأمر جميع التلاميذ بذلك. مراجعة الدروس ب 500 دينار للساعة كشفت سيدة أخرى ل "المساء"، عن ممارسة جديدة وصفتها ب "الغريبة"، وتتمثل في لجوء الأساتذة إلى عرض "خدمة المراجعة" على التلاميذ، وهو أمر ابتدعوه حديثا. "وتكون هذه المراجعة مع اقتراب مواعيد الفروض والامتحانات. ويتم تنظيمها خارج "أسوار" المؤسسات التربوية الرسمية، وهي خدمة لها سعر إضافي، لا يستفيد منه إلا الذي يدفع 500 دينار للساعة الواحدة!". وتؤكد السيدة كريمة في الجانب المرتبط بالمراجعة: "الأمر مفروض، ولا يمكن رفضه، لأن عدم التسجيل فيها يعني عدم الحصول على نقاط جيدة! والسبب يكمن في قفز الأساتذة على تدريس المنهجية المرتبطة بحل التمارين، وطريقة الإجابة". وهذه المنهجية، تضيف المتحدثة، "تُستعمل في الطورين الابتدائي والمتوسط، وتأخذ حصة الأسد من التنقيط، تتراوح بين 9 نقاط و12 نقطة. ويتم تلقينها وشرحها استثناء في الدرس الخصوصي دون القسم الرسمي!". سيدة أخرى لم تكن تعلم بأن هذه المراجعة بمقابل مادي، لكنها اكتشفت أن عليها تسديد تكاليف الخدمة بعد التحاق ابنتها بالدرس الخصوصي المعتاد. وما يطرحه الأولياء هو ضغط أبنائهم عليهم، وحثهم على تسجيلهم مثلهم مثل زملائهم في "المدارس الخصوصية"، وهو ما يحز في نفس العاجزين عن تلبية هذا الطلب، خاصة أن الأمر بات مفروضا، ويرتبط بمصير أبنائهم الدراسي. وبدوره، أكد السيد كريم، وهو عامل نظافة، اقتربنا منه وكان منهمكا في عمله، أكد أن راتبه الشهري لا يسمح له بتسجيل أبنائه في الدروس الخصوصية، وهو يلاحظ كغيره من أولياء التلاميذ، النقص الذي يعاني منه الأبناء في التحصيل التعليمي، بعد أن بات الأمر مرتبطا بمن يدفع أكثر، لأن مادة واحدة تكلف ما يقارب ألفي دينار شهريا! "كنابست": انتقال الظاهرة إلى الابتدائي خطورة! أكد السيد مسعود بوديبة، الناطق الرسمي للمجلس الوطني المستقل لمستخدمي التدريس للقطاع ثلالثي الأطوار" كنابست"، أكد في تصريح ل "المساء"، أن الدروس الخصوصية ظاهرة مجتمعية، أملتها الظروف التي تعيشها المدرسة الجزائرية بفعل التغيرات الجذرية التي حصلت على مستوى الأطوار التعليمية الثلاث، اعتبارا من سنة 2003 حتى 2005. وحسبه، فإن هذه التغيرات لم يهيأ لها من عدة جوانب، فكانت سببا في حدوث ضغوطات، واضطرابات، على مستوى المؤسسات، وانتقلت إلى العائلة الجزائرية، مشيرا إلى أنه تم اعتماد مقاربة لم يكن محضَّرا لها من حيث الإمكانيات البشرية والمادية، وهو ما أدى إلى التأثير على مستوى التحصيل العلمي، وتوسع ظاهرة الدروس الخصوصية، فبعد أن كانت هذه الأخيرة تقتصر على الامتحانات الرسمية الخاصة بطلبة البكالوريا، انتقلت إلى كل المستويات، وفرضت نفسها في المجتمع، فوجد الأولياء، حسبه، أن أبناءهم بجاجة إلى تحصيل ما يفوتهم في المؤسسات التعليمية. ويضيف: "ما يمكن تسجيله من خطورة على التعليم، هو انتقال الظاهرة إلى التعليم الابتدائي!". ويقر السيد بوديبة وجود أساتذة يعرضون خدمات التدريس على التلاميذ، "لكنها حالات لا يجب أخذها كمقياس"، مضيفا أن هناك ضغوطات على الأساتذة من طرف أولياء التلاميذ. ويؤكد محدثنا انتشار الدروس خصوصية بشكل فوضوي، حيث يتم تنظيمها وتقديمها في محلات ومرائب، كما أن نشاطها لا يمارسه الأساتذة فحسب، وإنما طلبة جامعيون وخريجو الجامعات. وذهب محدثنا إلى اعتبار أن أولياء التلاميذ، لا يمكنهم، حاليا، الاستغناء عن الدروس الخصوصية، فالأستاذ - حسبه - مجبَر على تقديم الدروس في القسم بدون إجراء أي تطبيق. تشخيص المنظومة التعليمية للقضاء على الظاهرة لمعالجة مشكل الدروس الخصوصية الذي أخلّ ظاهريا وضمنيا بالمنظومة التعليمية، يرى محدثنا أن الأمر مطروح على مستوى المجتمع، وعوض محاربة هذه الطاهرة التي هي موجودة في معظم دول العالم، يجب معالجتها من الأساس، ويكون ذلك، حسبه، من خلال إصلاح جذري للمنظومة التربوية، وإجراء تشخيص فعلي للمنظومة التعليمية، وتمكين الأستاذ من التكوين قبل وبعد الالتحاق بالتدريس في مختلف المستويات التعليمية، للتقليل من هذه الظاهرة. وحول إفرازات الدروس الخصوصية ومساسها بمجانية التعليم في بلادنا، أكد ممثل المجلس الوطني لمستخدمي التدريس، أنه مع تدعيم المدرسة العمومية، لأنها مكسب هام، ولا يجب المساس بمجانية التعليم، وتكافؤ الفرص للجميع، ولذلك يضيف المتحدث "نطالب بحماية المدرسة، ودعمها حتى تكون مرجعا أساسيا للبناء". مدير التربية لولاية الجزائر شرق: الدروس الخصوصية تجارة أرجع مدير التربية لولاية الجزائر "شرق" السيد خنسوس ندير، في تصريح ل "المساء"، أرجع سبب انتشار الدروس الخصوصية، إلى رغبة أولياء التلاميذ، حيث يقع على عاتقهم، مسؤولية تسجيل أبنائهم في هذا النوع من الدروس. وحسبه، لا تسجل مصالح مديريات التربية استغلال المعلمين أو الأساتذة المدارسَ من أجل تقديم هذه الدروس. وفي حال ثبوت أي حالة من هذا النوع، فإن الجهة الوصية تتخذ كل الإجراءات القانونية. ويصف السيد خنسوس الدروس الخصوصية، بالتجارة. وتكون بإيعاز من الأولياء، وهي غير مراقَبة وغير مهيكَلة. كما إن هناك، حسبه، أشخاصا من خارج قطاع التربية، يمارسون هذا النشاط في أماكن غير مصرح بها.