أجمع خبراء في الاقتصاد على أهمية القرارات والإجراءات التي تم اتخاذها خلال سنة 2022 في المجال الاقتصادي، معتبرين إياها أرضية لبداية اقتصاد حقيقي، واختلفت آراء الخبراء حول أبرز القرارات المتخذة، لكنها تقاطعت جميعها عند نقطة القانون الجديد للاستثمار. تميزت سنة 2022 التي نودعها بتنوّع الأحداث الاقتصادية، في سياق جهد مميز للحكومة لتحقيق الإنعاش الاقتصادي الذي وعد به رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في برنامجه، ضمن رؤية تسعى إلى دمج الجزائر في مجموعة البريكس التي تضم أهم الاقتصاديات الصاعدة. ولمعرفة أهم الإجراءات الاقتصادية التي ميزت 2022، سألت "المساء" عددا من أبرز الخبراء في المجال الاقتصادي، عن أهم ما تم تحقيقه اقتصاديا. هادف: إصلاحات تشريعية هامة في 2022 أكد الخبير الاقتصادي عبد الرحمان هادف أن سنة 2022 تميزت ب"إصلاحات مهمة على المستوى التشريعي والتنظيمي، أعطت أكثر وضوحا ورؤية لمناخ الأعمال" من خلال إصدار قانون جديد للاستثمار، قال إنه "إضافة نوعية"، مشيرا إلى ورشة مراجعة قانون النقد والفرض "الذي يعتبر ركيزة من ركائز التحول الاقتصادي"، إضافة إلى سنّ قوانين جديدة تتعلق خصوصا بمحاربة الفساد، مشيرا إلى حاجة الجزائر إلى "أخلقة الفعل الاقتصادي". واعتبر إنشاء مناطق حرة، من بين الآليات المهمة لترقية الاقتصاد واستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة ، لافتا إلى أن 2022 تميزت بحركية كبيرة بالنسبة للدبلوماسية الاقتصادية "التي ستمكن الجزائر من الانفتاح على العالم والانضمام إلى سلسة القيم العالمية، من خلال شراكات وتحالفات مع دول تتقاسم معها الرؤى والمصالح"، وهو ما جعل الرئيس يضع طلب الانضمام إلى البريكس نصب عينيه، لتحقيق "قفزة نوعية في الاقتصاد الوطني". في جعبة 2022 آليات عملية برزت في قانون المالية 2023 الذي فضل تشجيع النمو والمحافظة على القدرة الشرائية والمكتسبات الاجتماعية، مثلما قال الخبير. الحيدوسي: الإجراءات المتخذة أرضية للإقلاع الاقتصادي سجل الخبير وأستاذ الاقتصاد أحمد الحيدوسي أن 2022 كانت سنة "اقتصادية بامتياز"، وتميزت بإعداد الحكومة لجملة من الإجراءات، التي وصفها ب«الأرضية التي سيتم من خلالها تهيئة الإقلاع الاقتصادي في 2023". ومن أبرز ما توقف عنده، عملية إحصاء المؤسسات العمومية لتحديد المتوقفة منها والمتعثرة، والأهم من ذلك - كما قال- الاعتماد "لأول مرة" في معالجة هذا الملف على "مقاربة اقتصادية بحتة"، في حين كان التعامل مع هذه الإشكالية في السنوات الماضية بمقاربة "سياسية – اجتماعية". كما أشار إلى رفع العراقيل عن مشاريع القطاع الخاص التي كانت متوقفة لأسباب بيروقراطية، ما سمح ببعث المئات من المشاريع وخلق الآلاف من مناصب العمل. وأبرز محدثنا أهمية إصدار قانون الاستثمار الجديد، لما تضمنه من إجراءات تسمح "بعدم الوقوع في نفس المشاكل السابقة بفضل إعادة هيكلة المجلس الوطني للاستثمار والوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار، إضافة إلى تحديد القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية ذات الأولوية". وأشار كذلك إلى جملة من العمليات لاسيما استرجاع العقارات غير المستغلة والعمل على إنجاز مناطق صناعية جديدة، إضافة إلى إطلاق مشاريع مهيكلة كبيرة مع شركاء أجانب، خاصا بالذكر مشروعي غار جبيلات والفوسفات. وتميزت 2022 كذلك، وفقا للخبير، بتراجع الواردات التي انتقلت من 64 مليار دولار إلى 34 مليار دولار، تزامنا وتشجيع المنتج الوطني وكذا ارتفاع الصادرات خارج المحروقات إلى مستوى يقترب من الهدف المحدد وهو 7 ملايير دولار في 2022 مع توقع 15 مليار دولار في 2023، وهو رقم ضخم يبتعد كثيرا عن "حلم الملياري دولار" الذي ظل هاجسا لسنوات، و«كل هذا في ظرف 3 سنوات فقط"، مثلما لفت إليه. من جانب آخر أكد الحيدوسي أهمية قرار رفع الأجور، الذي وإن يعد إجراء اجتماعيا، فإن آثاره جد ايجابية على المجال الاقتصادي. سليماني: الطاقة وقانون الاستثمار أبرز الإنجازات ركز الخبير الاقتصادي والاستراتيجي عبد القادر سليماني في تحليله لحصيلة 2022، على ملفين هامين هما "الطاقة وقانون الاستثمار". فبالنسبة للأول، قال إن سنة 2022 بأحداثها غير المسبوقة، حوّلت الجزائر إلى "قطب استراتيجي للطاقة في المنطقة"، ما دفعه للقول بأنها كانت "سنة الطاقة" بالنسبة للجزائر، التي حققت إيرادات قياسية تفوق 50 مليار دولار بزيادة تفوق 15 مليار دولار مقارنة بسنة 2021، وذلك وفقا لمحدثنا لا يرجع فقط لارتفاع أسعار المحروقات، ولكن أيضا للإستراتيجية الطاقوية الجديدة التي تعتمد على تحقيق استثمارات هامة خصّصت لها سوناطراك 40 مليار دولار في خمس سنوات، لتطوير الاستكشاف والتنقيب مع الشركاء. وأشار إلى بلوغ 56 مليار متر مكعب من صادرات الغاز وهو "رقم قياسي"، تم بفضل اتفاقيات أبرمت مع الحليف الاستراتيجي "ايطاليا" التي أصبحت منصة تصدير الغاز الجزائري نحو أوروبا بزيادة 9 ملايير متر مكعب أخرى عبر أنبوب انريكو ماتي، علاوة على مراجعة الجزائر أسعار غازها مع 11 زبون، وتوقيع اتفاقيات مع زبائن جدد مثل سلوفينيا العائدة من بعيد نحو الجزائر. كما تحدث عن الاكتشافات الجديدة التي مكنت سوناطراك من احتلال أول مرتبة إفريقيا وعربيا باكتشافات بعضها يوجد في مواقع جديدة، فضلا عن صفقة الاستثمارات مع ايني وتوتال واوكسيدونتال بأربعة ملايير دولار الموجهة للاستكشاف. كلها عوامل جعلت الجزائر الممون الضامن والآمن للطاقة على المستوى الإقليمي. وبخصوص قانون الاستثمار الجديد، قال الخبير، إنه "مهم جدا" لخلق مناخ أعمال مستقطب لرؤوس الأموال المحلية والأجنبية لاسيما وأنه يتميز بالديمومة ومستمر للعشر سنوات المقبلة، ما يجعل منه قانونا "قارا وشفافا"، لخلق نسيج اقتصادي قائم على مبدأ الربح المتبادل مع الشركاء وخلق الثروة والتوصل إلى إنشاء مليوني مؤسسة صغيرة ومتوسطية لتعزيز الاقتصاد الوطني، فضلا عن آلاف الشركات الناشئة والمئات من مسرعات وحاضنات الأعمال، ما يعكس وفقا لمحدثنا وجود "إرادة سياسية" لخلق مناخ أعمال يسمح بتحقيق نسبة إدماج عالية، و"هو ما ركز عليه الرئيس تبون مؤخرا للدفع بروافد الاقتصاد الوطني".