تمر اليوم، الذكرى 65 لتأسيس منتخب جبهة التحرير الوطني لكرة القدم، الذي خلد لاعبوه أسماءهم في الذاكرة الوطنية بتضحياتهم وروحهم الوطنية، حيث شكل هذا الفريق على ممر الزمن، درسا في الروح الوطنية والتضحية لأعضائه، إذ ينبغي على شباب الجزائر الاقتداء بهم ... فكان فريق جبهة التحرير أول سفير للجزائر قبل استقلالها، ولعب دورا كبيرا في التعريف بالقضية الوطنية في المحافل الدولية، وبكفاح الشعب الجزائري المسلح ضد المستعمر الفرنسي. سنة 1958، كانت الثورة الجزائرية في أوج كفاحها المسلح ضد الاستعمار الفرنسي الغاشم، وكان قادتها يبحثون عن فرص استعمال كل الوسائل التي تمكن من إسماع صوت كفاح الشعب الجزائري ونضاله المشروع، من أجل تحرير وطنه من الهمجية الاستعمارية، فجاءت فكرة تكوين فريق لكرة القدم، بانتقاء لاعبين جزائريين ينشطون في البطولة الاحترافية الفرنسية لكرة القدم، والكثير منهم كانوا في أوج عطائهم، بل كانوا يعدون من بين نجوم هذه المنافسة الرياضية، وأمر الالتحاق بالثورة فاجأهم، لكنهم لبوا النداء بدون تردد. كان يدرك البعض منهم الموقف، بعدما وصلتهم من قبل أخبار عن تكوين هذا الفريق، على غرار عبد العزيز بنتيفور، الذي كان مناضلا منخرطا ضمن جبهة التحرير الوطني، وينشط لصالح الثورة بماله وجهده، كان بنتيفور مكلفا بتمرير السلاح على الحدود الفرنسية- السويسرية رفقة اللاعب الآخر حسان شابري، في حين كان كل من مختار لعريبي ومحمد معوش وعبد الحميد كرمالي، على استعداد تام للالتحاق بهذا الفريق، بعد إعلامهم من طرف المناضل والرياضي بومزراق، الذي يعد أول مدرب لهذا الفريق عند تشكيله في تونس. كل هؤلاء اللاعبين شكلوا النواة الأولى لفريق الجبهة، الاتصالات كانت تتم في سرية تامة، خوفا من تفطن البوليس الفرنسي لهذه العملية، الاتجاه كان المرور عبر الحدود الفرنسية السويسرية ، ثم السفر على متن الطائرة نحو روما العاصمة الإيطالية التي شكلت محطة هامة في تسهيل التحاق اللاعبين بالعاصمة التونسية، حيث كانت سفارة تونسبروما تأوي ممثلي جبهة التحرير الوطني، الذين قاموا بعملية إعداد وثائق وجواز سفر اللاعبين نحو تونس، التي التحقوا بها تباعا، إلى أن تشكلت النواة الأولى للفريق، ثم التحق به فيما بعد لاعبون آخرون في سنوات 1960 و1961. فرحات عباس للاعبين: لقد ساهمتم في تقدم الثورة بعشر سنوات! لا شك أن رفاق رشيد مخلوفي صنعوا من خلال التحاقهم بالثورة سنة 1958، أبرز ملحمة، رصت صفوف الشعب ووحدته في مواجهة عدو غاشم ومتغطرس في سياسته الاستعمارية، فالتضحية من أجل الوطن لم تكن لها حدود بالنسبة لهؤلاء اللاعبين، الذين تركوا وراءهم في فرنسا وضعيات مريحة، ومشوارا رياضيا واعدا للبعض منهم، ومستقبلا دوليا لم يكن سوى في بدايته للبعض الآخر، وهم رشيد مخلوفي ومصطفى زيتوني وعبد العزيز بن تيفور، الذين كانوا على وشك المشاركة مع المنتخب الفرنسي في دورة كأس العالم التي احتضنتها السويد في نفس السنة، لاعبون قال لهم رئيس الحكومة المؤقتة الجزائرية فرحات عباس، عند استقبالهم بسويسرا: "لقد ساهمتم في تقدم الثورة بعشر سنوات!". تعداد فريق جبهة التحرير الوطني تَشكل على مراحل متعاقبة من اللاعبين الجزائريين المحترفين، من 1958 إلى 1961، رغم المراقبة البوليسية التي كانت مضروبة عليهم، انطلاقا من فرار الفوج الأول منهم والتحاقه بالعاصمة التونسية، ويسجل تاريخ ثورتنا أن هذا الفريق كان يقوده المرحومان محمد علام بصفته مسؤولا سياسيا عنه، ومحمد بومزراق كأحد مؤسسيه، ومدربه الأول عند نشأته بتونس. كما لا شك في أن إثارة مغامرة فريق جبهة التحرير الوطني تعيد ذكريات خالدة للاعبين، نالوا إعجاب واحترام الجميع، بسبب وضع أنفسهم تحت تصرف الثورة، والمشقات الطويلة التي كانت تقودهم عبر عواصم ومدن العالم، من أجل إيصال صوت بلدهم وقضيته العادلة، فكسبوا له المصداقية والتضامن خلال الدورات والمباريات الكروية، التي خاضوها بكل جوارحهم، تاركين فيها بصماتهم بالنظر إلى المستوى الرفيع لمهاراتهم الفنية التي أبانوا عنها. لقد كانت الاستجابة لنداء جبهة التحرير الوطني تلقائية، رغم كل المخاطر التي كانت تهدد اللاعبين في محاولاتهم لتفادي مراقبة الشرطة الفرنسية، التي لم تعلم باستجابة هذا النداء، إلا بعد وصول المجموعة الأولى إلى تونس، والمتكونة من مصطفى زيتوني وعبد الرحمان بوبكر وعمار رويعي وقدور بخلوفي وعبد العزيز بن تيفور. وقد علقت الصحافة الفرنسية في ذلك الوقت بكثرة على هروب اللاعبين الجزائريين، الذين كانوا ينشطون في البطولة، وتساءلت اليومية الرياضية الشهيرة "باري ماتش" قائلة: "كيف لهؤلاء اللاعبين أن يختاروا وجهة محفوفة بالمخاطر، بينما كان ينتظرهم مستقبل زاهر في البطولة الفرنسية؟!". كانت أولى المنافسات التي شارك فيها فريق جبهة التحرير، الدورة الاحتفالية الكروية التي نظمها بتونس النادي الإفريقي التونسي، بمناسبة اليوم العالمي للشغل، وأثناء هذه الدورة، واجه الثوار الرياضيون الجزائريون فريق فاس المغربي بقيادة لاعبه الشهير بن أمبارك، الدورة تشرفت بحضور الرئيس التونسي لحبيب بورقيبة، والعقيد عميروش الذي تحدث إلى أعضاء فريق جبهة التحرير. وشارك فريق جبهة التحرير في ما يقارب 63 مباراة، نال فيها 48 انتصارا، وتعادل في إحدى عشرة منها، بينما انهزم في أربع. محمد سوكان: قضينا في الصين 3 أشهر كاملة كان فريق جبهة التحرير الوطني يتم استقباله بحفاوة كبيرة أينما حل، ويتذكر محمد سوكان (الشقيق الأكبر لعبد الرحمان) الاستقبال التلقائي والكبير الذي خصته به الجماهير الشعبية العراقية، التي احتشدت على الطريق الرابط بين المطار والعاصمة بغداد، وقضى الفريق الجزائري ساعتين لقطع تلك المسافة، بسبب تدافع الجماهير لرؤية زملاء مصطفى زيتوني. لكن السفر إلى الصين كان أطول مشوار قضاه اللاعبون رفقة مسيريهم، حيث بقوا في هذا البلد الصديق للثورة الجزائرية، ثلاثة أشهر كاملة، خاضوا خلالها عدة مباريات مع منتخب الصين، وأندية محلية انبهرت بالمستوى الفني الرفيع، الذي قدمه فريق جبهة التحرير. سفريات أخرى قادت الفريق إلى رومانيا ويوغسلافيا، حيث استغلوا تواجدهم في هذين البلدين للمشاركة في كثير من المباريات، منها ضد النادي الشهير دينامو زغرب، وكانت لهم فرصة التنقل إلى أحد مستشفيات هذا البلد، الذي كان يستقبل المجاهدين الجزائريين الذين تعرضوا لإصابات بليغة في معارك ضد قوات المستعمر الفرنسي. أما في الأردن، فقد كانوا محل استقبال رائع من الملك حسين، بينما في الفيتنام كان في استقبالهم الزعيم الثوري الفيتنامي هوشي مينه، والقائد العسكري الكبير الجنرال جياب، حيث لمسوا من هذين القائدين، المساندة القوية التي كان يقدمها الشعب الفيتنامي لنظيره الجزائري في كفاحه ضد المستعمر الفرنسي. المرحوم أمقران وليكان علق على بعض المواقف التي عاشها رفقة زملائه عند زيارتهم كل هذه البلدان، بالقول: "كان همنا الوحيد، إيصال صدى الثورة الجزائرية إلى أبعد الحدود في العالم، في يوغسلافيا مثلا، كنا نلعب مباراة كل يومين من خلال التنقل من مدينة إلى أخرى، حتى إن الجميع كان يلقبنا بفريق "هارلم غلوب تروتر"، نسبة إلى التشكيلة الأمريكية لكرة السلة الشهيرة، التي كانت هي الأخرى تجوب العالم". هكذا كانت المغامرات النضالية لفريق جبهة التحرير الوطني، الذي دخلت عناصره تاريخ الثورة الجزائرية من بابه الواسع.