ألقى أمس الفريق أحمد قايد صالح رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي كلمة بمناسبة حفل تخرج دفعات الأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال هذا نصها: بسم الله الرحمن الرحيم فخامة رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، ضيوفنا الأكارم السادة الضباط. في البداية، فإنه حقيق علي، في هذا المقام الكريم أن أعبر لفخامتكم باسمي الخاص وباسم كافة أفراد الجيش الوطني الشعبي، عن عميق إجلالنا وفائق إكبارنا لهذه العناية السامية التي درجتم على إيلائها لقواتنا المسلحة، واستبشر بها أفرادنا العسكريون بل استأنسوا بتأثيراتها الايجابية المحسوسة والملموسة، في كل مواقع أعمالهم، وكانت لهم أفيد وأصدق معين، بعد الله تعالى، على شق طريقهم نحو الأخذ بكل مسببات القوة والحداثة والتطور، بقلوب تطفح بمشاعر حب الجزائر والولاء لها، ونفوس متحمسة وتواقة الى أن تكون في مستوى المسؤولية الموضوعة على عاتقهم وفي مستوى الرعاية التي شملتموهم بها. هذه الرعاية التي أفصحت ولا تزال تفصح عن مكامن مدلولاتها، عبر خصكم لهذه المؤسسة التكوينية العسكرية العريقة والرائدة، مرة أخرى بالحضور، وإشرافكم الشخصي على تخرج دفعاتها، التي تأتي هذه السنة تتويجا لحصاد مثمر لكافة مؤسسات منظومتنا التكوينية لاسيما منها المدارس العليا وليدة الإصلاح المعتمد، على غرار الخصائل الجيدة والثرية للتمارين البيانية المكللة للسنة التدريبية والتحضير القتالي لقوام المعركة لدينا، وهو حرص واضح العلامات على مدى رحابة حيز الاهتمام، الذي تفردونه بصفة متواصلة للجيش الوطني الشعبي، باعتباره ركيزة قوية من الركائز التي تعتمد عليها الجزائر لتأمين مجرى بلوغ ذروة مجدها، والوصول إن شاء الله تعالى، إلى أعلى درجات ازدهارها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعلمي والتكنولوجي، في ظل السيادة المحفوظة والأمن المستتب والاستقرار العميم. فخامة رئيس الجمهورية، فتحقيقا لهذا الهدف الأسمى المتعدد الأبعاد، ووعيا منا بالدور المنوط بنا دستوريا كعسكريين، فإن الجيش الوطني الشعبي سيواصل، بإذن الله تعالى، في ظل قيادتكم الرشيدة، بذل قصارى الجهود الكفيلة بالترقية المستمرة والتطوير المتواصل والدفع بكافة مكوناته المختلفة، الى ما ينسجم ويتساوق تماما مع حق الشعب الجزائري الشرعي في الاطمئنان الكامل على حاضر بلاده وعلى مستقبلها. إن الإطمئنان على حاضر الجزائر ومستقبلها وضمان سلامة ترابها الوطني وحرمة حدودها والذود عنها شبرا شبرا بل وذرة ذرة، فلا سبيل لذلك بداهة إلا التحكم في مستلزمات أداء هذا الواجب الوطني، لأن ذلك يمثل رمزا أساسيا من رموز الهيبة والمناعة، وهي معالم عملنا وسنبقى نعمل، بحول الله تعالى وقوته، على تركيز قواعدها وغرس مسبباتها في نفوس وعقول وذاكرة الأجيال الشابة. وفي هذا السياق بالذات وتحقيقا لهذه المرامي، يندرج قرار فخامتكم القاضي بإعادة فتح مدارس أشبال الثورة تحت اسم مدارس أشبال الأمة، بعدد 10 مدارس "03 ثانويات و 07 متوسطات" موزعة على كامل التراب الوطني، سيكون فيها لجنوبنا الكبير حصته الوافية والكافية، هذه المدارس التي ستفتح أولى مدارسها الثانوية أبوابها لمنتسبيها خلال السنة الدراسية 2009-2010 بعاصمة الغرب الجزائريوهران بالناحية العسكرية الثانية، ولا شك أن هذه المدارس في عمومها ستشكل مصدرا خصبا لتلبية احتياجات قواتنا، المسلحة، وستكون لها مساهمتها الكبيرة في تحضير النخبة العسكرية المستقبلية الواعية بواجبها الوطني والمتحملة لمسؤولياتها الثقيلة. هؤلاء الذين يتعين عليهم أن لا ينسوا أبدا بأن خطواتهم لا تكون في الاتجاه الصائب والصحيح والمفيد للجيش الوطني الشعبي وللجزائر، إلا إذا توافقت وانسجمت تماما مع خطوات أسلافهم من أجيال الشهادة والجهاد، وهذه قيمة عزيزة وسامية ومجيدة خلدها التاريخ وشهد بها العدو قبل الصديق، ينبغي أن تحفظ وتبلغ كابرا عن كابر، وهي مهمة موكلة بالدرجة الاولى الى المنظومة التكوينية، دون التقليل طبعا من الدور المنوط ببرامج التحضير القتالي. ومن ثمة، يأتي الدعم غير المحدود الذي تم تقديمه ولا يزال يقدم للمنظومة التكوينية عموما، وللأكاديمية العسكرية لمختلف الاسلحة بصفة خاصة، هذا الدعم الذي اسلتزمته دواعي إعادة تنظيم منظومة التكوين والتعليم وإثراء برامج التدريب وتعزيزها بمؤسسات تكوينية جديدة على رأسها المدرسة العليا الحربية، التي ستجاورها، في المستقبل المنظور، مدرسة الأركان لمختلف الأسلحة والقوات، بعد إتمام عملية تحويلها وتركيبها، لتشكلا معا قطبا تعليميا عسكريا عاليا ومتميزا، يمثل مفخرة حقيقية للجيش الوطني الشعبي ومنظومته التكوينية. فعلى هذا النحو الصائب والسليم تم الاستثمار، فخامة الرئيس، في أنفس مورد على الإطلاق، ألا وهو العنصر البشري، الذي نريده، علاوة على حيازته لكل عوامل التمرس المهني، بأن يكون من ذوي العقول النيرة والذهنيات السليمة المدركة لمسؤولياتها والمحبة لمهنتها العسكرية والمقدرة لها حق قدرها، حارصين في ذات السياق، على أن يدرك إطاراتنا العسكريون، بأنه لاشيء أنبل ولا أسمى من مهمة حفظ الوطن والذود عن حياضه وصيانة سيادته وأمنه واستقراره. تلكم هي مواصفات النخبة العسكرية التي بدأت ملامحها تتضح وتتبلور شيئا فشيئا مع توالي تخرج الدفعات ومع المضي في استكمال الجهد التطويري والتنظيمي والإصلاحي والتحضيري الذي شرعنا فيه في السنوات الأخيرة وقطعنا من خلاله، تحت قيادتكم، أشواطا معتبرة على أكثر من صعيد، سعيا وراء مضاعفة عوامل توطين مقدرات القوة والتمكين المهني والعملياتي وتعزيز روح الواجب بين الصفوف أكثر فأكثر، وطلبا لإفراز واصطفاء العناصر القادرة على تحمل أعباء المسؤوليات الهامة في الجيش الوطني الشعبي. وإن أفضل معروف يمكن أن تسديه أجيال الاستقلال الشابة لجيل الشهادة والجهاد، هو حسن التشرب والتشبع من منابع الوفاء الذي أخلصه هذا الجيل عن طيب خاطر لهذا الوطن، والوفاء المقصود هنا لا يجد معناه الحقيقي والفعلي، إلا ببناء جسر قوامه المحبة والاحترام والتقدير والعرفان بين السلف والخلف أي بين جيل الشهادة والجهاد وبين جيل المستقبل الذي، وبحكم سنة الله في خلقه، ستعود له، لا محالة، مسؤولية مواصلة المشوار، وهي مسؤولية عظيمة تحتاج من الشباب المرشح لتقلدها بأن يكون في مستوى الوفاء بها، وأن يعرف كيف يستفيد من تجارب وحنكة وإخلاص ومثابرة سلفه الصالح، ويعرف كيف يقتفي آثارهم وخطواتهم الصائبة، فعلى هذا الشكل تتعاون الأجيال وتتكاتف جهودها، وبهذه الكيفية يتجسد بالنسبة لنا كعسكريين، شعار تواصل درب جيش التحرير الوطني مع خلفه الجيش الوطني الشعبي. فبهذه النوعية البشرية المتميزة يتسنى لنا مستقبلا، إن شاء الله تعالى، استكمال مسعى الاحترافية، التي نتبع في زرعها بين صفوف الجيش الوطني الشعبي، نهج التدرج الواقعي والعقلاني وغير المتسرع، لأننا لا نريد أن ننسخ وننقل تجارب الآخرين، بل نريدها احترافية تنبت في التربة الجزائرية، وتنشأ في ظل خصوصياتنا الذاتية والفكرية والثقافية والذهنية التي تمثل فيها التعبئة المعنوية والتجنيد النفسي نسبة معتبرة. فخامة رئيس الجمهورية، يجدر بي التأكيد لفخامتكم في هذا المقام المحمود، بأنه بفضل قيادتكم ورعايتكم ودعمكم الكبير لقواتنا المسلحة، فقد استطاعت أن تقطع في ظل روح معنوية ونفسية عالية، أشواطا بعيدة ومعتبرة في مجال التحضير القتالي والجاهزية العملياتية، وأثبتت ميدانيا من خلال التمارين الاختبارية التي تجريها سنويا بكل كفاءة واقتدار، أنها في مستوى الثقة الموضوعة فيها وفي مستوى عظمة المهام الدستورية الموكلة لها. فكل هذا الجهد الإعدادي المتفاني، يتم بالموازاة مع مواصلة تصديها الصارم رفقة كافة الأسلاك الأمنية، لبقايا العصابات الإرهابية، هذا التصدي الصارم الذي نحن مصممون كل التصميم من خلاله على العمل دون هوادة تطبيقا لتعليمات وتوجيهات فخامتكم، على تجنيد كافة الوسائل المسموح بها قانونا، لتدمير هذه الفئة الضالة والمضللة والمفلسة، وتطهير هذه الأرض الشريفة، من انحرافاتها الإجرامية الغريبة عن تقاليد شعبنا وسماحة ديننا الإسلامي الحنيف، وسنقهرهم، بحول الله تعالى وقوته، بفضل الإرادة التي تحدونا والعون الذي نلقاه من شعبنا وتوافق أعمالنا بصفة تامة وواعية ومسؤولة مع روح وأحكام وأبعاد ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. فخامة رئيس الجمهورية، اسمحوا لي قبل إنهاء هذه المداخلة الوجيزة والمتواضعة، بأن أثمن عاليا، من على هذا المنبر، ذلك الجهد المثابر الذي تحلى به عموم أفراد الجيش الوطني الشعبي وكافة أعضاء الأسلاك الأمنية الأخرى، وذلك الدور المحوري والفعال والواعي الذي أدوه أثناء الاستحقاق الرئاسي للتاسع من أبريل المنصرم، في سبيل تأمين الشعب الجزائري وتمكينه من المشاركة الحرة والملتزمة والمطمئنة في هذا الحدث الوطني الهام. هذا الاستحقاق الذي فتحت الجزائر من خلاله بوابة أمل أخرى أمام أبنائها الوطنيين والمخلصين ليواصلوا معها، في كنف الوحدة والتكافل والتكاتف وتكامل الجهود، مشوار البناء والتشييد وكسب كل أسباب القوة والمنعة اقتصاديا وعلميا وتكنولوجيا، في زمن أصبح فيه التطور المتعدد الأبعاد والمظاهر، وهو الضمانة الأكيدة لتحقيق الذات الوطنية وفرض وجودها ومكانتها بين الشعوب والأمم. ويشرفني، في ختام هذه المداخلة، بأن أجدد باسمي الخاص وباسم كافة أفراد الجيش الوطني، التقدير والعرفان لفخامة رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، على هذا الحضور الذي شرف به هذا المعقل التكويني الهام وهي إلتفاتة عميقة المغزى، سيكون لها بالتأكيد صداها الطيب وتحفيزها العميم لأفراد الجيش الوطني الشعبي. كما انتهز فرصة إحياء الجزائر هذه الأيام للعيد 47 لاستقلالها، في جو تلوح في أفقه بوادر الإرساء النهائي لدعائم الأمن والاستقرار، والتثبيت التام لركائز التنمية والازدهار، لأتقدم لفخامتكم بهذه المناسبة الوطنية المجيدة، باسمي الخاص وباسم كافة الحضور في هذا الحفل البهيج، بأحر التهاني وأصدق التمنيات، سائلين المولى عز وجل بأن يعيده عليكم بالصحة والعافية والهناء، وعلى الشعب الجزائري بالمزيد من الأمن والرفاهية، متضرعين إليه سبحانه وتعالى بأن يتغمد شهداء الجزائر بواسع رحمته ويسكنهم فسيح جنانه، وأن يوفق خلفهم الصالح، في كافة مواقع عملهم، إلى مواصلة إتباع طريقهم وحفظ عهدهم وأمانتهم. المجد والخلود لشهدائنا الأبرار تحيا الجزائر والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.