تعرف المدينة العتيقة بقسنطينة، حركية استثنائية، عقب رفع التجميد عن مجموعة من المشاريع المتعلقة بقطاع الثقافة، وتحديدا في المدينة القديمة، والمتعلقة بعملية ترميم الزوايا، المساجد، الحمامات وأماكن تاريخية أخرى، كانت تصنع وجه المدينة التاريخي والحضاري، وتسعى الجهات المعنية إلى الحفاظ عليها وحمايتها من الطمس والتغيير، وفتح فرع للقطاع الثقافي المحفوظ بعاصمة الشرق. بمجرد رفع التجميد عن المشاريع الثقافية من طرف الوزارة الأولى، شُكلت لجنة ولائية تضم عدة قطاعات، أوكلت لها مهمة متابعة ترميم المباني المتفردة، الحمامات، الفنادق والزوايا، فضلا عن إعادة بناء منازل السويقة السفلية، ترميم الأزقة، وغيرها من المشاريع التي انطلقت في عاصمة الثقافة العربية سنة 2015، وتوقفت لسبب أو لآخر. وتشكلت اللجنة من منتخبين محليين من المجلسين البلدي والولائي، وكذا جمعيات مهتمة بالثقافة من المؤسسات المتعلقة بالقطاع المحفوظ ومديريات الشؤون الدينية والأوقاف والتعمير، قامت باختيار المشاريع التي رفع عنها التجميد بالمدينة القديمة، والبالغ عددها ثمانية مشاريع، حسب الأولوية. 315 مليار سنتيم لثماني عمليات ترميم رصدت الجهات القائمة على العملية، مبلغا يفوق 315 مليار سنتيم للعمليات الثماني، وفق بطاقات تقنية أعدت سنة 2015، في إطار "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية"، حيث قسم المبلغ لعديد العمليات، أهمها ترميم الأزقة بالمدينة العتيقة بمبلغ 37 مليار و681 مليون سنتيم، حيث برمج 12 شارعا للترميم. انطلقت اللجنة، مؤخرا، في متابعة خمسة شوارع، فضلا عن عمليات أخرى، على غرار أول عملية بعنوان ترميم المباني المتفردة، والتي تضم 4 مشاريع هي؛ ترميم مطبعة ودار "ابن باديس"، ترميم دار "الدايخة"، المدبغة وكذا الطاحونة القديمة، باعتماد مالي يقدر ب35 مليار و280 مليون سنتيم. فيما تقرر مباشرة عملية أخرى، تخص دراسة وترميم الفنادق وتضم فنادق "الزيت"، "باشتارزي" و"الخياطين"، وهي العملية التي خصص لها مبلغ 26 مليار و381 مليون سنتيم، تليها عملية ترميم الحمامات، على غرار "البطحة"، "بن طوبال"، "بوقفة" و«باين لعمال"، وكذا سوق لغزل، بمبلغ إجمالي قدره 19 مليارا و815 مليون سنتيم، مع دراسة ومتابعة أشغال إعادة بناء الجزء السفلي لحي السويقة العتيق، بغلاف مالي قدره 122 مليار و340 مليون سنتيم. أما الزوايا، فتقرر ترميم العديد من الزوايا، وفي مقدمتها الزاوية التجانية السفلى والتجانية العليا "باشتارزي"، الزاوية "العيساوية"، الزاوية "الطايبية"، زاوية "السيدة حفصة"، وزاوية "بوعبد الله الشريف"، بمبلغ إجمالي يقدر بأكثر من 24 مليار سنتيم، إلى جانب متابعة أشغال ترميم مدرسة "الكتانية"، وهو المشروع الذي منح له غلاف مالي قدره 12 مليارا و760 مليون سنتيم، فضلا عن عملية دراسة وأشغال سينوغرافية، وتجهيز قصر "أحمد باي"، تثمينه وتأهيله ليلعب دور متحف، إذ رصد له مبلغ 32 مليار سنتيم. ترميم مساجد القطاع المحفوظ للمدينة وقفت وزيرة الثقافة والفنون، صورية مولوجي، خلال زيارتها الأخيرة، للمشاريع الثقافية التي رفع عنها التجميد، للوقوف على سيرورة الأشغال بها، على عمليات ترميم المساجد العتيقة في مدينة قسنطينة، حيث شملت الدراسة في مرحلتها الأولى، ترميم 12 مسجدا تقع كلها داخل القطاع المحفوظ للمدينة القديمة، وقد تم تسجيل مشاريع على مستوى 7 مساجد، انتهت الأشغال على مستوى ثلاثة منها، وتتمثل في كل من "المسجد الكبير" ومسجد "حسن باي"، اللذين انتهت بهما الأشغال سنتي 2017 و2018، ومسجد "بشتارزي" الذي انتهت به الأشغال السنة الماضية، وهي مشاريع مفتوحة حاليا للمصلين. فيما لا تزال الأشغال متواصلة بمسجدين من أصل أربعة، ويتعلق الأمر بكل من مسجد "سيدي لخضر" و"الأربعون شريفا"، اللذين سيكونان جاهزين قبل نهاية ماي المقبل، إذ تجاوزت نسبة الأشغال بهذا الأخير 80 بالمائة، حيث أكدت المقاولة تسليمه قبل نهاية ماي الجاري، أما بمسجد "الجامع الأخضر"، والذي يعرف وتيرة جيدة في الأشغال، فقد تم تقليص الآجال التعاقدية إلى 20 شهرا بدل 30، ليتم تسليمه بمختلف لواحقه قبل نهاية ماي الجاري، علما أن تكلفة العملية قدرت ب 13.8 مليار سنتيم. فيما يخص المسجدين المتبقيين، وهما "سيدي عفان" و"الكتاني"، فقد تم الإعلان عن مناقصة وطنية لاختيار مكتب الدراسات، وبعد انتهاء الدراسة، سيتم تحضير دفتر الشروط لاختيار مقاولة الإنجاز من أجل الشروع في عملية الترميم، لتبقى خمسة مساجد لم تشملها عملية الترميم، رغم أنها مفتوحة للمصلين، وهي "عبد المومن"، "سيدي الجليس"، مسجد "سيدي ميمون"، "سيدي القروي" و"سيدي مغرف". "دار بن باديس" ومطبعته على رأس المباني المتفردة للترميم أما بالنسبة لباقي المشاريع، فتتمثل في إعادة تهيئة المباني المتفردة، وتشمل 4 مشاريع، هي مطبعة "عبد الحميد بن باديس"، التي تبقى بها الأشغال جارية وتشارف على الانتهاء، أما مشروع ترميم "دار الشيخ عبد الحميد بن باديس" بحي السويقة في المدينة القديمة، والذي انهارت أجزاء كبيرة منه منذ سنوات، ويتربع على مساحة تقدر ب 530 متر مربع، فقد وصلت الدراسة إلى مرحلتها الثالثة، وتتعلق بمرحلة حالة الحفظ والتشخيص، ستليها مباشرة عملية الترميم، وقد أكدت السيدة مولوجي، خلال زيارتها، على ضرورة العمل على تحضير دفتر الشروط وتحديد خطة طريق لآجال الإنجاز، نهاية جوان المقبل. تتمثل العملية الرابعة، في دراسة ومتابعة أشغال ترميم مدرسة الكتانية، التي صدر بشأنها الإعلان عن مناقصة وطنية لاختيار مكتب الدراسات يوم 31 أوت الماضي، وستنطلق بها الأشغال في الأشهر القليلة المقبلة، فيما تتمثل الدراسة الخامسة، في أشغال تهيئة وتجهيز المتحف الوطني للفنون والتعابير الشعبية "قصر أحمد باي"، وتم إيداع دفتر الشروط لدى اللجنة الولائية للصفقات العمومية، وهو اليوم في مرحلة الدراسة، وسيشرع في الإنجاز بعد اختيار المؤسسة التي ستوكل لها العملية. أما العملية السادسة، فتتمثل في دراسة ومتابعة أشغال ترميم "لفنادق"، وهي عبارة عن مجموعة من محلات الحرفيين، وتم إيداع دفاتر الشروط من أجل اختيار مكاتب الدراسات لدى لجنة الصفقات العمومية، حيث ستشمل العملية ثلاثة فنادق، بالإضافة إلى عمليتين تم تحويلهما إلى مديرية التجهيزات العمومية، تتعلق بترميم وتهيئة الأزقة ودراسة ومتابعة إعادة بناء الجزء السلفي لحي السويقة وحدائقها. مشروع ترميم المطبعة والطاحونة ومشروع "دار الدايخة" (كناية على ابنة أحمد باي لالا الدايخة، الواقعة بشارع قدور داعرة، والتي تعد من أهم البنايات المعروفة بطابعهما العمراني العثماني والمغاربي الخاص، في أوساط القسنطينيين، ولها دلالة تاريخية واجتماعية)، فعرف من جهته، تحضير دفتر الشروط للإعلان عنه، من أجل اختيار مكتب الدراسات، فيما وجهت الوزيرة تعليمات لمسؤولي القطاع، بمرافقة صاحب مشروع ترميم مطبعة "الإمام بن باديس" من أجل استكماله، وأكد الوالي على ضرورة تشخيص مشكلة تسرب المياه ومعالجتها قبل الانتهاء من المشروع. الانطلاق بالمعالم الأثرية ذات الأولوية من جهة أخرى، دعا القائمون على مديرية الثقافة، إلى ضرورة المساهمة في ترميم مجموعة من المعالم التي تعتبر ذات أولوية، حيث أكدوا أن المصالح المختصة ستتكفل بعمليات الترميم، وفق قواعد المحافظة على المعالم الأثرية، أما باقي المعالم، التي مازالت أملاكا خاصة، على غرار المنازل العتيقة، فسيشترط على أصحابها ترميمها، مع إلزامهم بالحفاظ على الوجه السابق والأصلي للبناية، مشيرين إلى أن قطاع الثقافة والفنون يركز على إعادة البناية إلى أصلها، لحماية المباني وإبعاد الخطر عن المواطن. للإشارة، تقع العمليات والمشاريع المرفوع عنها التجميد، داخل القطاع المحفوظ لمدينة قسنطينة، كما أن عمليات الترميم، حسب مديرية الثقافة، ستنجز على مراحل، حيث أن هذه المشاريع التي كانت متوقفة، ستعيد الحياة الاقتصادية والثقافية للمدينة القديمة، التي صنفت سنة 2015 تراثا ماديا، كما تعتبر خطوة أولى لحمايتها والإبقاء على وجه هذه المدينة وتاريخها العتيق.