أبرز المشاركون في اليوم الدراسي حول "الأدوار والدلالات الرمزية للمواسم الثقافية الشعبية في الجزائر"، الذي نظمته بالمسجد القطب "عبد الحميد بن باديس" بوهران، الجمعية الدينية للطريقة الطيبية في الجزائر، بالتنسيق مع مخبر الدراسات الاتصالية بجامعة مستغانم، الأدوار الإيجابية للمواسم الثقافية الشعبية في الجزائر على مر العصور. بالمناسبة، أكد شيخ الطريقة الطيبية في الجزائر مولاي حسان شريف الوزاني، أن "المواسم الشعبية الثقافية كموروث غير مادي، هي ظاهرة اجتماعية لها امتدادها التاريخي في الهوية الثقافية للمجتمع الجزائري، وتأخذ شرعيتها من اعتبارات اجتماعية ثقافية، لها قيمها ورمزيتها ودلالاتها الاجتماعية، التي جعلت المجتمع يتمسك بها ويحافظ عليها، باعتبارها تعبر عن أصالته". وتلعب هذه المواسم، يقول شيخ الطريقة الطيبية، "أدوارا هامة في تعزيز الروابط الاجتماعية وترسيخ قيم التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع، كما تعد مظهرا من مظاهر التنوع الثقافي التي تدفع البعض إلى ارتيادها، للتعرف على خصائصها ومميزاتها". بدورها، أكدت الأستاذة الباحثة بمركز البحث في الأنتروبولوجيا الاجتماعية والثقافية بوهران "كراسك"، حليمة مولاي أن "الوعدة" كممارسة اجتماعية وثقافية دينية، تقوم بوظائف اجتماعية وثقافية واقتصادية، وتخدم الدولة والمجتمع، من خلال تقوية الرابطة بين أفراد المجتمع، بفضل فرصة اللقاء والتواصل بين المواطنين، وإبعاد مواضيع الاختلاف والتشنج بينهم، من خلال خلقها للبهجة والسرور". ودعت الباحثة السلطات، خاصة وزارات الثقافة والسياحة والشؤون الدينية، إلى دعم ومرافقة الهيئات المنظمة للمواسم الثقافية الشعبية، وتسهيل تنظيمها ووصول الناس إليها، تقوية للأدوار الإيجابية التي تقوم بها، خاصة في مجال تقوية اللحمة الوطنية وترسيخ المرجعية الدينية الوطنية". أشار مدير مخبر الدراسات الاتصالية بجامعة مستغانم، العربي بوعمامة، إلى أنه "على مر الأزمنة، لعبت هذه المواسم أدوارا متنوعة، حسب السياقات التاريخية. فهي كانت مناسبة تمارس فيها جملة من الطقوس الاجتماعية، يعبر من خلالها الإنسان المحلي عن أفراحه التي يشاركها مع محيطه الاجتماعي، أو مناسبة لاستقبال موسم من مواسم العام، كما لعبت دورا استراتيجيا خلال فترة الاستعمار الفرنسي، من خلال استغلالها كفضاء اتصال لإعلان المقاومات الشعبية والحشد لها ودعمها ماديا ومعنويا". من جهته، أشار الأستاذ الجامعي بومدين بوزيد، إلى أن "المواسم الثقافية الشعبية في الجزائر، خاصة ما يعرف ب«الوعدة" أو الركب، باعتبارها تراثا غير مادي قامت عبر العصور، خاصة بداية من القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين، بأدوار عظيمة لصالح المجتمع الجزائري، في مقدمتها تعبئة المواطنين لتحرير مناطقهم من المستعمر، بداية من التحرشات الأوروبية على السواحل التي أعقبت سقوط غرناطة في الأندلس، إلى الاستعمار الفرنسي". ونوه المحاضر ب«الدور الكبير الذي كانت تقوم به الزوايا كمؤسسات دينية تعليمية، في التكفل بالمجاهدين ضد المتحرشين بالسواحل الجزائرية، وهو ما ظهر من خلال تكفل القائمين على زاوية منطقة مجاجة بولاية الشلف حاليا، بالمجاهدين المشاركين في تحرير منطقة تنس الساحلية بنفس الولاية، كما ظهر من خلال مقاومة الشيخ بوعمامة أحد أحفاد سيدي الشيخ، مؤسس الطريقة الشيخية بمنطقة الأبيض سيدي الشيخ، والجنوب الغربي للجزائر للمستعمر الفرنسي". وأشار الدكتور بومدين بوزيد، من جهة ثانية، إلى "دور اجتماعي واقتصادي كبير قامت به المواسم الثقافية الشعبية (الوعدات)، من خلال إطعام الفقراء وفض النزاعات وإدخال البهجة في قلوب السكان، ناهيك عن المحافظة على الموروث الثقافي الجزائري، من خلال اللباس والوسائل والممارسات المهددة آنذاك بالانقراض". من جانبه، أكد الأستاذ الحبيب بوزادة من جامعة معسكر، أن "المواسم الثقافية الشعبية تساهم في التعريف بمكونات الشخصية الوطنية ومعالمها، وربط المجتمع بماضيه وجعله يستلهم من إنجازاته العلمية والعسكرية والاجتماعية والبناء عليها، ليحقق النهضة التي يصبو إليها". للتذكير، اليوم دراسي حول "المواسم الثقافية الشعبية في الجزائر، الأدوار والدلالات الرمزية في راهن تواصلي متحول"، نظمته الجمعية الدينية للطريقة الطبيبة سيد الحسني في ولاية وهران، بالتنسيق مع فرقة الثقافة والاتصال لمخبر دراسات الاتصال لجامعة "عبد الحميد بن باديس" بمستغانم. تناولت التظاهرة، من خلال مداخلات لأساتذة وباحثين في العلوم الإنسانية والاجتماعية، الأدوار الهامة التي تلعبها المواسم الشعبية الثقافية ومنها الدينية، كموروث غير مادي في تعزيز الروابط الاجتماعية وترسيخ قيم التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع، فالمواسم الثقافية الشعبية كظاهرة ثقافية ودينية تكتسي أيضا طابعا اقتصاديا، كونها تستقطب سنويا، أعدادا كبيرة من الراغبين في التعرف على خصائصها ومميزاتها، ما يضفي لها قيمة سياحية، خاصة أنه غالبا ما تصاحبها أسواق يقصدها الزوار لاقتناء هدايا تذكارية. كانت المواسم الثقافية الشعبية على مر الأزمنة، تلعب أدوارا متنوعة، حسب السياقات التاريخية، حيث كانت مناسبة تمارس فيها جملة من الطقوس الاجتماعية، يعبر المريد من خلالها عن أفراحه التي يشاركها مع محيطه الاجتماعي، مع التذكير بدورها الهام خلال فترة الاستعمار الفرنسي، باستغلالها كفضاء للاتصال بين قادة المقاومات الشعبية والمواطنين، ولتعبئة المواطنين وتجنيدهم للكفاح ضد المستعمر. القصد من تنظيم هذا اليوم الدراسي، التعريف بالمرجعيات الدينية والروحية لمدينة وهران وعلمائها، ودورهم في التربية والتعليم الديني عبر التاريخ، ودورها في مكافحة المستعمر الغاشم، بمشاركة ممثلين عن عدد من الطرق الصوفية الجزائرية، مثل الطريقة العلوية والطريقة التجانية والطريقة البوعبدلية وغيرها. وتمحورت إشكالية اليوم الدراسي حول مسألة أنه، رغم التحولات والتغيرات العنيفة والمتسارعة التي أصابت المجتمع المحلي اليوم، حافظ الكثير منها على إحياء تلك الطقوس بصفة دورية ومنتظمة، تعيد من خلالها معالم هويتها وترسم آفاق استمراريتها، مثلما هو الحال مع عادات المواسم الشعبية والثقافية تلك"، وقال المنظمون "ما يطرح السؤال عن دافعية هذه المجتمعات المحلية اليوم، في ممارسة هذه الطقوس، وما فائدة المجتمعات المحلية من حفاظها على عاداتها ورمزياتها الثقافية وبنياتها الاجتماعية، في ظل الدفع لتغيير ذلك؟". أما محاور اليوم الدراسي فهي ثلاثة، يرتكز الأول على "قراءة في الرمزيات والوظائف الاجتماعية وفضاء للاتصال والتواصل"، والثاني "المواسم: تنوع في الزمان والمكان الأدوار الحضارية للمواسم الشعبية" فيما يتناول الثالث "المواسم وجهات للتجارة والسياحة"، على أن يقدم الدكتور بومدين بوزيد المحاضرة الافتتاحية بعنوان "المواسم الصوفية قراءة في الرمزيات والوظائف الاجتماعية".