لاشك في أن كل من يعرف حال العاصمة قبل حلول موسم الاصطياف يدرك أنها مختلفة تماما خلال هذا الفصل بالهدوء الذي يصبح حلما مع نهاية الصيف.. حيث يهدأ صخب شوارعها وتقل حركيتها وتطل على السواح وبعض المواطنين الذين قصدوها من الولايات الأخرى لزيارة الأهل أو لقضاء العطلة بوجه آخر.. وبهذا الخصوص تحدثت "المساء" إلى بعض سكانها لمعرفة انطباعاتهم. مجموعة من الانطباعات تخطر في البال عندما تحل هذه الفترة.. هل يحلو للعاصميين الذين اعتادوا على حياة الصخب والزحمة العيش في أجواء الهدوء؟ وكيف يؤثر الهدوء على نفسيتهم؟ ازدحام الشوارع والطرقات خاصية تتميز بها العاصمة نظرا لكونها تستقطب طلبة وعمالا من مختلف ولايات الوطن، وتتوفر على إدارات ومصالح ومستشفيات، يقصدها المواطنون من مختلف أنحاء التراب الوطني، لكن يظهر جليا منذ الأيام القليلة الماضية أن الوضع تغير بعد أن هجرها الطلبة الذين التحقوا بأهاليهم لقضاء العطلة، وهو ما تزامن مع ظفر بعض العمال الذين يقطنون خارج العاصمة بالإجازة السنوية، وحتى بعض العاصميين الذين ضرب لهم الصيف موعدا على شواطئ البحر في بعض المناطق الساحلية على غرار بومرداس، بجاية، سكيكدة وجيجل.. ففي هذه الفترة لا يبقى تقريبا سوى سكان العاصمة الأصليون ممن لا تسمح لهم ظروف العمل أو الإمكانيات بالاصطياف، ونتيجة ذلك هي أن العاصمة دخلت في الآونة الأخيرة في سبات من الركود والهدوء غير المألوف، فحتى بعض البطالين الذين اعتادوا الجلوس في الطرقات والمقاهي هجروها بسبب الحرارة اللافحة، مما يجعل التجول مقتصرا على من تضطرهم الضرورة لذلك. ويبدو أن تحرر العاصمة من الاكتظاظ في هذه الآونة يحقق ولو لفترة مؤقتة رغبة جارفة لدى العديد من سكانها الذين يعيشون تحت ضغط زحام الطرقات وكثرة الضوضاء، إذ ظهر من خلال الإجابات أن هدوء العاصمة وحد الانطباعات، كونه حذف من قاموس السكان أمرا اسمه الضغط. وما يثلج الصدر حسب آراء بعض المستجوبين هو انعدام الطوابير في عدة أماكن، وهو الأمر الذي يسهل قضاء التزامات الحياة اليومية، إذ تختفي الطوابير العريضة التي تعرفها مختلف مواقف سيارات الأجرة ومحطات نقل المسافرين، مما يمكن من صعود الحافلة أو القطار دون معاناة الزحام والتدافع بل وحتى العثور على مقعد للجلوس! ويتجلى هذا الانطباع جليا من خلال قول السيد (مراد.م) موظف في إحدى بلديات العاصمة "صراحة نحن العاصميون نتمتع في هذه الفترة براحة البال المفتقدة في سائر أشهر السنة الأخرى، لأن كابوس الازدحام يغيب في الطرقات والشوارع والمحلات ومختلف المصالح" ثم يضحك محدثنا ليضيف "ما أحلى أن نقتني الخبز بدون طوابير، وما أروع أن نركب الحافلة دون أن نخشى الاكتظاظ الذي يكبت الأنفاس، إذ يمكن للمواطن في هذه الآونة أن يركن سيارته جانبا ليعتمد على وسائل النقل العمومية. ولا ريب في أن لا أحد يعارضني إذا قلت إن غياب الزحام والطوابير يدفعنا لنتمنى لوكانت كل أيام السنة عطلة في العاصمة" والظاهر أيضا هو أن انخفاض الضغط السكاني في العاصمة يعود بالإيجاب على بعض المؤسسات والبنوك، على غرار البريد المركزي الذي تقل فيه حركات الذهاب والإياب مقارنة بالأيام الأخرى، وعلى هذا النحو يجد بعض العمال متنفسا من التوتر الذي تسببه كثرة الزبائن طبقا لما أكدته لنا إحدى الموظفات بالبريد المركزي، حيث أشارت إلى أن توجه العاصميين وغير العاصميين في هذا الموسم لقضاء العطلة بعيدا عن مدينة الجزائر أمر يستهويها كثيرا، لاسيما وأنها تحب الهدوء التام بطبعها، كما ترى أنه رغم التوافد المعتبر للمغتربين على مصلحة البريد المركزي في موسم الاصطياف، إلا أن ضغط العمل لا يكون كبيرا كما هو الحال بعد الدخول الاجتماعي باعتبار أن العاصمة تشهد ما يشبه "الهجرة الجماعية". وتبعا لشهادات بعض سكان العاصمة، فإن فحوى القول هو أن العاصمة والعاصميين يتنفسون الصعداء خلال شهري جويلية وأوت بالأخص، ما يجعل السكان في وضع عصبي "حسن" مرده راحة البال التي تحسن المزاج بعد تحريره من قلق الزحمة التي تغزو كل الأماكن.