يدخل العدوان الصهيوني الهمجي على قطاع غزّة اليوم، شهره الثالث وسط تقديرات باستمرار القصف الجنوني والتوغل البري لقوات الاحتلال شهرا آخر، بدعم علني ومفضوح من الإدارة الأمريكية ودول أوروبية مثل بريطانيا وألمانيا، لا تزال ترفض الدعوة لوقف فوري لإطلاق النّار، رغم حجم المأساة وهول الكارثة الإنسانية التي يتخبط فيها أكثر من مليونين و300 ألف نسمة ضاقت بهم كل سبل النجاة في القطاع المنكوب. مضى جيش الاحتلال أمس، في مجازره المتزايدة التي حصدت مزيدا من الأرواح البريئة، حيث واصل طيرانه الحربي ومدفعيته دك كل شبر من القطاع من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، مكثفا قصفه العنيف على مدينة خان يونس بالجنوب، وسط تفاقم معاناة سكان غزّة المحاصرين من كل الجهات. وازدادت حدتها مع دخول فصل الشتاء ببرودته القارسة وأمطاره الغزيرة في تعقيد ظروف حياتهم التي وصفها المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأممالمتحدة، فولكر تورك، أمس، ب"الرعب المطلق والمتزايد". وقال تورك، خلال مؤتمر صحفي إنه بعد شهرين من بدء عدوان الاحتلال الصهيوني على غزّة "لا يزال المدنيون في القطاع يتعرضون لقصف متواصل ولعقاب جماعي". وأعرب عن خشيته من وقوع "فظاعات"، حيث قال إن الأخبار الواردة من غزّة تفيد بأن الوضع "خطير وكارثي"، محذّرا من أنه في هذه الظروف "ثمة خطر كبير من وقوع أعمال وحشية". وشدد المفوض السامي لحقوق الإنسان، على الحاجة لاتخاذ إجراءات على نحو عاجل خاصة من قبل الدول التي بإمكانها التأثير، للحيلولة دون ارتكاب مزيد من الجرائم، داعيا إلى وقف إطلاق النّار بصورة عاجلة في القطاع. وتواصل مختلف المنظمات الأممية الإنسانية والحقوقية إطلاق صافرات الإنذار من مخاطر الكارثة متعددة الجوانب التي يتخبط فيها سكان غزّة، الذين اضطروا للنزوح مجددا بعد أن وجّه جيش الاحتلال نيران طيرانه الحربي ومدفعيته صوب الجنوب الذي سبق وأعلنه منطقة آمنة. "أونروا": قطاع غزّة من أخطر الأماكن في العالم قالت الوكالة الأممية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، أمس، إن هناك موجة أخرى من النزوح تتم في غزّة وأن الوضع "يزداد سوءا كل دقيقة"، مؤكدة في بيان مقتضب نشرته على منصة "إكس" إنه لا توجد منطقة آمنة.. وقطاع غزّة بأكمله أصبح من أخطر الأماكن في العالم". وأضافت أنه "لا يوجد مكان يمكن الذهاب إليه، فالملاجئ مكتظة بالنازحين بما في ذلك ملاجئ الأونروا". من جانبها أعلنت هيئة الدفاع المدني في قطاع غزّة، أنها لم تعد تملك أي معدات لتقوم بعملها لانتشال الجرحى والجثث من تحت الأنقاض، بعد أن استهدفها القصف الاسرائيلي ولم تصل إليها أي إمدادات خلال أيام الهدنة السبعة. ومع مواصلة الاحتلال الصهيوني لمحرقته في قطاع غزّة، أكد المندوب الدائم لدولة فلسطين لدى الأممالمتحدة، رياض منصور، ضرورة خضوع الكيان الصهيوني للمساءلة إلى أقصى حد يسمح به القانون، مشيرا إلى أن الدول ملزمة بموجب القانون الدولي بالتحرك دون أي تأخير لوضع حد للاستهزاء بالعدالة، ووضع تدابير ملموسة للمساءلة بما في ذلك حظر الأسلحة. جاء ذلك في ثلاث رسائل متطابقة بعثها رياض منصور، إلى كل من الأمين العام الأممي، أنطونيو غوتيريش، ورئيس مجلس الأمن لهذا الشهر "الإكوادور" ورئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، بشأن الكارثة الإنسانية التي يلحقها الكيان الصهيوني (القوة القائمة بالاحتلال)، بالسكان المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزّة بشكل متعمّد وفي ظل صمت المجتمع الدولي. من جهتها حذّرت الرئاسة الفلسطينية، مجددا من تصعيد الاحتلال الصهيوني لعدوانه الشامل على أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة والضفة الغربية بما فيها القدس، مطالبة بتدخل دولي عاجل لوقف العدوان المتواصل قبل انفجار الأوضاع بشكل لا يمكن السيطرة عليه. وتزامن تحذير الرئاسة الفلسطينية مع إعلان حكومة الاحتلال أمس، عن بناء 1738 وحدة سكنية استيطانية في القدس الشرقية، في قرار استفزازي يضرب عرض الحائط حل الدولتين الذي تدعو إليه المجموعة الدولية، والذي ينص على إقامة دولة فلسطينية مستقلّة عاصمتها القدس الشرقية. توقعات أمريكية باستمرار العدوان الصهيوني الواضح أن نداءات الاستغاثة ومطالب وقف المحرقة الصهيونية لا تجد آذانا صاغية لدى المتحكمين في القرار الدولي، حيث نقلت شبكة "سي آن آن" الأمريكية، أمس، عن مسؤولين بإدارة بايدن، توقعاتهم باستمرار الاجتياح البري الاسرائيلي جنوب غزّة لشهر جانفي القادم، وذلك قبل شروع جيش الاحتلال بحسبهم في استهداف قادة حركة "حماس" بشكل ضيق. ما يعني أن العدوان الصهيوني مستمر وماض في محرقته تحت ذريعة القضاء على "حماس" و"أنفاق" المقاومة التي لم يجد جيش الاحتلال، بعد شهرين كاملين من القصف المدمر أثرا لها. والسؤال الذي يطرح نفسه مجددا، كيف يقضي جيش الاحتلال على مقاومة لازالت تكبّده خسائر فادحة. وقد أقر أمس، بمقتل 10 من جنوده خلال 24 ساعة الأخيرة أحدهم ضابط برتبة رائد. ودارت أمس، اشتباكات عنيفة في عدة محاور من القطاع، حيث وصف مسؤول عسكري صهيوني تلك الجارية في خان يونس بالمرعبة، بينما تواصلت المعارك في القرارة وبيت حانون وبيت لاهيا وحي الشجاعية والزيتون في الشمال وبمحيط مستشفى كمال عدوان وشارع السكة وغرب جباليا وشرق حجر، تمكنت خلالها المقاومة من إلحاق مزيد من الخسائر الفادحة في أرواح وعتاد جيش الاحتلال. وأعلنت كتائب القسام، أمس، أنها استهدفت بصاروخ "سام 7" طائرة مروحية اسرائيلية في محور عبسان شرق خان يونس، بعد منتصف ليلة الثلاثاء إلى الأربعاء، وأصابتها بشكل مباشر وقالت إن العملية موثقة. كما استهدفت الكتائب دبابة "ميركافا" صهيونية في محور شمال خان يونس بقذيفة "الياسين 105" ودبابتين اثنتين في محور الشرق. من جانبها أعلنت "سرايا القدس" عن استهدافها منذ فجر أمس، لخمس آليات عسكرية بالعبوات وقذائف "التاندوم" و"اربي جي"، مع خوضها اشتباكات مع جنود الاحتلال من مسافة الصفر، مؤكدة وقوع قتلى وجرحى في صفوف العدو في محاور التقدم بحي الشجاعية شرق مدينة غزّة. 75 شهيدا من الصحفيين في غزة والضفة منذ بداية العدوان قالت نقابة الصحفيين الفلسطينيين إن الاحتلال الصهيوني ارتكب مئات الجرائم والانتهاكات الجسيمة بحق الصحفيين ووسائل الإعلام في الضفة الغربية وقطاع غزة، من ضمنها اغتيال وجرح وفقدان عشرات منهم وتدمير منازل لهم ولعائلاتهم وتدمير مقار إعلامية. وأوضحت في تقرير اصدرته أمس، أن 75 صحفيا وعاملا في قطاع الإعلام استشهدوا وأصيب نحو 80 صحفيا بجروح وفقد صحفيان اثنان، بينما قصف الاحتلال منازل عائلات 60 صحفيا ودمر مقار 63 مؤسسة ومكتبا صحفيا وعطل عمل 25 إذاعة محلية 24 في غزة وواحدة في الضفة وأغلق وقيد عمل 3 وسائل إعلامية واعتقل 43 صحفيا منهم 41 في الضفة واثنان في غزة حيث لا زال منهم 30 قيد الاعتقال وأغلبهم تم تحويلهم للاعتقال الإداري. نيكاراغوا تصف عدوان الكيان الصهيوني ب"الوحشي" جدّدت نائب رئيس نيكاراغوا، روزاريو موريلو، دعم بلادها وتضامنها مع دولة فلسطين في ظل العدوان الغاشم على قطاع غزة، والذي تسبب في ارتقاء أكثر من 16 ألف شهيد، مبرزة أن الكيان الصهيوني ينفذ هجمات "وحشية" على الشعب الفلسطيني. وقالت موريلو أن وزير خارجية نيكاراغوا دينيس مونكادا، أجرى زيارة إلى مدينة رام الله للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس والتعبير له عن دعم نيكاراغوا وتضامنها مع دولة فلسطين في ظل العدوان على قطاع غزة. وأضافت أن "مهمة وزيرنا التي أوكلها إليه قائدنا هي أن ينقل باسم شعبنا وحكومتنا تضامننا الأخوي والنضالي مع الشعب الفلسطيني". وتدعم حكومة نيكاراغوا الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة ولديها سفارة في رام الله وقرّرت سنة 2010 تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني بعد هجومه على أسطول دولي يحمل مساعدات للفلسطينيين في غزة. خبيران فلسطينيان يؤكدان: الشعور بالهزيمة يدفع الاحتلال لارتكاب المزيد من المجازر أكد خبيران فلسطينيان أن "شعور الكيان الصهيوني بالهزيمة بعد عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، جعله يصاب بالجنون ويدخل في هستيريا إراقة المزيد من دماء الأبرياء في قطاع غزةوالضفة الغربيةالمحتلة، معتقدا أن جرائم الإبادة المرتكبة هي بمثابة "وسيلة ضغط على المقاومة". قال اللواء المتقاعد والخبير العسكري، يوسف الشرقاوي، في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية أن "حالة الجنون" التي دخل فيها الكيان الصهيوني جعلته "يفقد السيطرة على نفسه وعلى من حوله، فشغله الشاغل الآن هو إيجاد الوسيلة الفعالة للضغط على المقاومة الفلسطينية". وأضاف أن "الوسيلة المتاحة الآن أمامه هو ارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، مستهدفا المناطق الأكثر اكتظاظا، بالإضافة إلى سياسة التضييق وقطع كل سبل الحياة على شعبنا". ولفت إلى أن جيش الاحتلال "يقصف جميع محاور غزة الشمالية والجنوبية ويركز فيها أحزمته النارية على خان يونس ودير البلح وتل الهوى، غير أن هناك تصد لتقدم آلياته من قبل المقاومة الفلسطينية". وحسب الخبير الفلسطيني، فإن الوضع لا يختلف في الضفة الغربية عن غزة، حيث تشهد اجتياحات واقتحامات دائمة ليلا ونهارا لكافة المدن والمخيمات والتجمعات السكانية في محافظات جنين وطولكرم وقلقيلية وغيرها وسط حملة اعتقالات واسعة تشمل تقريبا كل المناطق. وأضاف أن "الغاية من كل هذا التكالب في إراقة الدماء هو ترميم قوة ردع جيش الاحتلال ومحو مشهد السابع أكتوبر من وعيه ووعي جمهوره والعالم أجمع، حتى يتم التركيز على عدد الشهداء ومشاهد الدمار التي لحقت بالقطاع والضفة الغربية ويعود الاعتقاد أن جيش الاحتلال لا يقهر". من جانبه، قال الصحفي والمحلل السياسي الفلسطيني، سهيل سيباط، إن الكيان الصهيوني يعمل حاليا على الاثبات أن عملية "طوفان الأقصى" كانت "كبوة" له وفقط، لافتا إلى أنه "لا يكترث لما يفعله في غزة لسببين يتعلقان بعدم التحرك الكافي للعالم لوقف هذا العدوان والدعم الكبير الذي يتلقاه من بعض القوى العظمى خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكيةوبريطانيا". وأكد المحلل الفلسطيني أن "ذلك ما يجعل هذا المحتل يرفض في الوقت الحالي الدخول في هدنة جديدة.. بل يواصل القتال والانتقام الجنوني وتنفيذ المجازر في حق الأبرياء اعتقادا منه أن تحرير جميع المحتجزين لدى المقاومة، سيعيد الثقة ولو مؤقتا لحكومة من يسمى نتانياهو، التي بدأ عدها التنازلي منذ السابع من اكتوبر الماضي". كما أشار إلى أن "تعنت الاحتلال بدى واضحا للعيان من خلال التصعيد الذي تشهده عدة محافظات في غزة خاصة الجنوبية منها، حيث يتعمد قصف المناطق الآهلة بالسكان"، مضيفا أن الكيان الصهيوني "يعي جيدا أن عدم قدرة الدول على ممارسة الضغط عليه لوقف هذا العدوان، هو بمثابة ورقة رابحة بيده، الأمر الذي دفعه لارتكاب المزيد من المجازر في حق الأبرياء". وحذر سيباط من أن أوضاع قطاع غزة الآن "مقلقة إلى حد كبير، حيث يستشهد كل يوم، المئات ويصاب الآلاف، أغلبهم من الاطفال، ناهيك عن الاوضاع الانسانية التي ما انفكت تزداد سوء وتدهورا بسبب النقص الفادح في الإمدادات ودخول فصل الشتاء".