استقبل رواق الفن "الزوار" بالمركز التجاري بباب الزوار، أول أمس، المؤرخة الأمريكية أليس كابلان لتقديم كتابها "باية أو الافتتاح الكبير"، الصادر بنسخته المترجمة إلى الفرنسية عن دار "البرزخ"، ضمن جولتها إلى بعض الولايات للحديث عن الفنانة باية، التي تركت في هذه الكاتبة الأثر البالغ، ما دفعها للبحث في مسيرتها، خاصة في فترات الظل التي لم تنشر من قبل. قرأت أليس كابلان مقاطع من كتابها، لتخاطب بين الفينة والأخرى، الجمهور الحاضر، مؤكدة أنها استقت الكثير من المعلومات التي جاءت في الكتاب، خلال زيارتها للجزائر، حيث التقت بعائلة الراحلة باية، لتكتشف المزيد عن حياتها، ومما ذكرته، الأماكن التي عاشت فيها منذ طفولتها الأولى، من ذلك مثلا، زيارتها لبرج الكيفان، ثم البليدة ووقوفها بمختلف الحدائق والبساتين، وحتى طاولة المطبخ التي استعملتها باية، مشيرة إلى أن برج الكيفان، خاصة المزرعة التي عاشت بها باية، فيها الكثير من الذكريات والحكايات، بعضها من سنوات الأربعينيات، وقالت إن الكثير من الأماكن بمنطقة برج الكيفان والعاصمة تغيرت، وبعضها اختفى تماما، وحلت محله بنايات ومعالم أخرى، منها الترامواي والمطار والأبراج السكنية والفنادق وغيرها، متأسفة على اختفاء المزرعة التي شهدت أهم مراحل حياة باية. عن رحلتها إلى العاصمة لتقفي آثار باية، قالت أليس كابلان، إن من اصطحبها في هذه الرحلة كانت السيدة سليمة محيي الدين، وهي التي لازمت باية حتى أيامها الأخيرة، وكذلك السيد بشير ابن الفنانة باية. مشيرة إلى أن مهمتها كانت استعراض الفترة التي عاشتها باية إبان الفترة الاستعمارية، خاصة في الأربعينيات، حيث دخلت عالم الأضواء بسفرها لباريس، ثم تناولت جانب الأرشيف في هذا البحث، وأكدت أنه أرشيف خاص، أغلبه بمنطقة اكسلابروفانس بفرنسا، وكيف تمكنت من تصويره ونسخه خلال فترة "كورونا"، وأغلبه كان رسائل وقصاصات صحفية يرجع بعضها إلى سنة 1947، وبينت أن هذا الأرشيف لم يكن ردا على كل تساؤلاتها، وإنما ساعدها على السرد والكتابة. خلال قراءتها مقاطع من كتابها، عرضت السيدة أليس صفحة تضم لوحة باية "الستائر الصفراء"، وهي اللوحة التي عرضت بمعهد العالم العربي في باريس، إذ تمثل بدايات باية الفنية، وربطت ذلك بمقطع يشبه مناجاة حدثت بين مرغريت (التي تبنت باية)، وبين باية، في مشهد قطف الزهور في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية، علما أن باية رسمت هذا المشهد المنظور من طرف باية، من خلف ستائر النافذة، فيما تحكي مرغريت العكس، أي أن باية هي من شاهدتها. أشارت المتحدثة، إلى أن ولعها بباية ولد سنة 2018، حين عرض أعمالها بنيويورك، من تنظيم ناتاشا، بالتنسيق مع عائلة باية، لتبقى الألوان ورسومات الأزهار والنساء والحيوانات والأساليب الفنية العالمية الراقية محفورة في مخيلتها، ومن هنا بدأت رحلتها مع الأرشيف، مؤكدة أنها تعشق الحكايات المستمدة من الأرشيف، تماما كما كان الحال مع كتابها "بيوت الأطلس" الصادر في 2022، وأكدت أن دخولها أرشيف لم يفتح منذ سنة 1962، ألزمها ارتداء الكمامة من فرط الغبار، ليكتمل البحث بعد سنتين ويخرج الكتاب. تطرقت الكاتبة لعلاقة باية مع بعض الشخصيات المعروفة، وكذا انعكاس الجانب التاريخي على فنها، من ذلك مجازر 8 ماي 1945، علما أن فرنسا استغلت باية لتكون بلسما يرطب العلاقة بينها وبين الجزائر، وعن علاقة باية بالراحل سيناك، قالت إنه كان يسكن بجوارها، قرب شارع ديدوش مراد، حيث أغتيل، ثم انتقلت مع مرغريت لتقيم بشارع العربي بن مهيدي سنة 1945، حينها شهدت مظاهرات 1 ماي، وكيف قتل الجزائريون، وهنا أكدت أن هذه الحوادث قليلة التوثيق في الإعلام المكتوب بالفرنسية (أرشيف). في سنة 1948، التقت باية ببيكاسو وعملت في استوديو قرب الاستوديو الخاص به، وأنجزت قطعا في السيراميك، لتعرض الكاتبة بعضا من أشغالها وهي تعمل، معلقة أنها كانت ذات كاريزما وهمة فنية عالية، ورغم ذلك تميزت بتواضعها وحبها للعمل. عن أسلوب باية، قالت الكاتبة، إنها تشبه فنانة من المكسيك، هي فريدا كالو، وغالبا ما ترتبط الفنانتان في المخيلة الأمريكية، خاصة مع تقديم المؤرخ الفني فريدو كادو لكلتيهما خلال المعارض (كتيبات ومناشير)، لكنها أكدت أن مسارهما مختلف تماما. بالنسبة للسيدة أليس كابلان، فقد قالت إنها ارتبطت بلوحة باية "الأحصنة الزرقاء الكبيرة"، التي رأتها في مدينتها امنيابوليس بالولاياتالمتحدة، فقد ذكرتها بطفولتها، وأعطتها رؤية خارج التكوين الأكاديمي، كانت قد فقدتها، بالتالي أكدت أن ذلك كان شرفا لها، ما دفعها إلى تقفي مسار باية التي لو عاشت اليوم، لبرزت أيضا، ففي الجزائر اليوم، معاهد فنية وفرص التكوين وفضاءات العرض. بالنسبة للفترة التاريخية التي برزت فيها باية كجزائرية، فهي غير معروفة، حسبها، في الولاياتالمتحدة، فالأمريكيون لا يعرفون سوى إنزال النورماندي، ولا يعرفون مشاركة الجزائر ودعمها للحلفاء وتحرير أوروبا، ولا عن مجازر 8 ماي، ولا عن الفترة الاستعمارية الفرنسية التي عاشها الشعب الجزائري، وهي ظروف طبعت أيضا شخصية باية، كما قالت، إن الكتاب يعرض العلاقة المعقدة والخاصة بين مرغريت وباية.