أقام بيت الشعر الجزائري، أوّل أمس، بالمكتبة الوطنية بالحامة، تأبينية على روح الشاعر الراحل أبي القاسم خمار، تضمّنت شهادات الرفاق، وتوّجتها قصائد عصماء في رثاء هذا الشاعر الكبير، مع استعراض جوانب من تجربة خمار الشعرية والإعلامية والإنسانية، التي جعلت منه أبا الأجيال. أجمع الحاضرون الذين اكتظّت بهم قاعة "الأخضر السائحي" ، على أنّ الراحل كان آخر شعراء الثورة التحريرية، فيما أكّد سليمان جوادي رئيس بيت الشعر الجزائري في كلمته الترحيبية، أن اللقاء تحوّل إلى احتفالية وليس لتأبينية، مستحضرا ذكرياته مع الراحل خمار الذي كان الصديق. وقد ذكّر بأنه اشتغل تحت إمرته بمجلة "ألوان". وكان يؤمّ بيته بمناسبة وبغير مناسبة. وكان مقرّبا جدا من عائلته. كما كان للراحل خمار الفضل في نشر أولى قصائد جوادي على صفحات جريدة "الشعب" سنة 1970، في صفحة "في رحاب الشعر"، وصولا إلى إصدار ديوانه "قال لي سليمان" الذي كتب مقدّمته خمار.كما أكد المتحدّث أن الراحل وهب حياته للجزائر، ولم يجن شيئا. بالمناسبة، قرأ الشاعر جوادي رسالة بعثها وزير المجاهدين وذوي الحقوق العيد ربيقة (تكفّلت الوزارة بمراسيم جنازته)، من ضمن ما جاء فيها أنّ "هذه التأبينية تعكس ما كان يحظى به الفقيد من مكانة في قلوب محبّيه، وتقديرا لدوره الكبير في عالم الأدب والشعر، ومساهمته بقلمه وكلماته في الدفاع عن وطنه ومساندة الثورة التحريرية المجيدة"، مضيفا أنّ السعي إلى إحياء موروث هذه القامة برمزيتها الأدبية والثورية، يأتي في سياق الاعتزاز والافتخار برموز الجزائر، وأعلامها، المساهمين في بنائها، وفي تثمين منجزاتها التي تم تدوينها في مؤلّفاتهم ومجلّداتهم، الشاهدة على سعيهم للحفاظ على الهوية والذاكرة. أما نجل المحتفى به المخرج مؤنس خمار، فبدا متأثّرا، خانته دموعه وهو يتحدّث عن والده، مؤكدا أنّ العائلة لم تستوعب على مدار شهرين من رحيله، أنّه غادر بلا رجعة. كما حيّا الحضور المكثّف للأدباء والأصدقاء؛ ما يعكس مكانة والده تماما، كما كان في حياته يستقبل هؤلاء. وقد حيّا بعضهم ممن عرفهم مؤنس منذ طفولته في بيت العائلة. وبالمناسبة، تَسلّم المتحدّث لوحة للخطاط حسن شرشارة، كُتبت عليها قصيدة "سيد الشعراء" . ثم قرأ مؤنس كلمة كتبتها العائلة بعد 4 أيام من رحيل والده. ومن ذكريات مؤنس أنه كان يرى والده يكتب قصيدة ما وهو يضرب بأصابعه على الطاولة عازفا؛ وكأنه يضع لها الإيقاع، علما أنه كان مولَعا بالموسيقى والطرب، وأحب، أيضا، صفة الفلاّح، وارتبط بالأرض. أحب الجميع، وكان متسامحا مع الكل، ولا يكره أحدا. ويحب البساطة، ويكره الازدواجية في المعايير، وفي السلوك. وبكى مؤنس عندما قال : "أنت من علمتني معاني الجمال، وكانت عيناك من وراء نظاراتك السميكة تقول أحبكم جميعا". وقال الأستاذ محمد بوعزارة إنّ خمار لم تفارقه الابتسامة وروح الدعابة يوما، مؤكّدا أنه نظّم الشعر في سن 12 سنة. وصلى أيضا بالناس في بسكرة. وطُرد مرتين من المدرسة الفرنسية لمواقفه الوطنية التي دعمها والده الإمام. كما غنى ليكنى ب"عبد الوهاب" . ومارس فن الرسم، ودرس في تونس، ثم بسوريا، وأقام فيها. وأصبح " أشهرَ من نار على علَم " في أوساطها الأدبية، خاصة في الخمسينيات. ثم التحق بالثورة. وعمل في إذاعة دمشق، ليعود للجزائر بعد الاستقلال ويتولى عدة مسؤوليات. ومن أهم ما قدمه مجلة "ألوان" التي مارس فيها النقد الساخر. وعُرف ب"مطارق"، و"مذكرات نسّاي". واستعرض الكاتب عمار بن زايد جانبا من ذكرياته مع خمار في "ألوان" ؛ حيث اشتغل معه لمدّة 5 سنوات. أما الأستاذ عبد الله عثامنية فاستحضر ذكريات نادي الفكر العربي الذي جمعه بالراحل ابتداء من سنة 65، وكيف أحيا لأوّل مرة، ذكرى ابن باديس، ثم الأمير عبد القادر، مع التوقّف، أيضا، عند بعض الذكريات الطريفة التي أضحكت الحضور. أما السيدة زهور ونيسي، فحيت أرملة الراحل السيدة جميلة، التي كانت وراء هذا الرجل القامة بمساندتها ودعمها، وهي التي اشتغلت كاتبة عند وزير الأوقاف الراحل توفيق المدني، ومارست النشاط الأدبي، ورافقت السيدة ونيسي في مجلة "الجزائرية". وتوالت الشهادات؛ منها شهادة وزير التربية الأسبق محمد بن محمد، التي استعرض فيها مغامراته مع الراحل خمار في دمشق، وكذا وزير الصناعة الأسبق جعبوب، وعبد الرزاق قسوم، وأمين الزاوي، وغيرهم الكثير. كما تم بث رسالة صوتية بعثتها السيدة جميلة خمار للحضور، قالت فيها: "سألتني حفيدتي من هو جدي؟ فقلت شاعر وكاتب كبير" . كما شهدت أنه كان رب أسرة ناجحا، وزوجا وفيّا صالحا، وأبا حكيما، ومربيا فاضلا ومتسامحا ذا عقل راجح، مضيفة: "ذهب خمار وجرح فلسطين ينزف في أعماقه قبل غزة ".وبالمناسبة، أدى الفنان فؤاد ومان أغنية من كلمات الراحل خمار بعنوان "يختلف الناس في مشربي" ، ومن تلحينه، لتنطلق القراءات الشعرية التي افتتحها الشاعران عبد المالك قرين وإبراهيم صديقي.للإشارة، احتضن بهو المكتبة معرضا، ضمّ صورا عن الراحل خمار، وشهادات، وأوسمة تكريماته في الجزائر وخارجها، وكذا أعدادا من مجلة "ألوان"، وبعضا من دواوين خمار.