أجواء التسوق ليلاً بالعاصمة خلال العشر الأواخر من الشهر الفضيل، صارت تعيدنا إلى أيام زمان حينما كان ليل "الجزائرالبيضاء" كنهارها.. وهاهي العائلات تضرب عصفورين بحجر واحد، فهي تخرج للتنزه والاستجمام، وتتمكن من شراء لوازم العيد في آن واحد، مما جعل التجار يسارعون إلى فتح محلاتهم لاستقبال الوافدين إلى غاية وقت متأخر من السهرة. إذا كانت العاصمة التي تنام باكراً وتموت فيها الحركة مدة أحد عشر شهراً في السنة، فإنها في شهر رمضان تُبعَث من جديد وتعود إليها حركيتها، فتذكرنا بأيام زمان، حينما كانت العاصمة وباقي المدن الكبرى لا يهدأ ضجيجها ولا تخفت أنوار محلاتها ولا ينقطع زوارها، حيث يخيّل لزائر العاصمة ليلاً هذه الأيام أنها تعيش تلك الحقبة الجميلة التي لم يبق ما يذكِّرنا بها إلا العشر الأواخر من شهر رمضان. ويجزم من التقيناهم في سهرة أول أمس أن حشود الناس وضجيجهم أصبح أكثر من النهار، فالاختناق المروري لم يعد مقتصراً على مسالك السيارات، بل باتت الأرصفة تغص بالمتسوقين والساهرين. ووجدت العائلات ضالتها في كسر روتين الأيام الأولى من رمضان، للخروج والتمتع برؤية جمال مدينة الجزائر تحت أضواء المصابيح. المتسوّقون: التسوق ليلاً "حجّ وحاجة" .. وأينما تقلب بصرك في شوارع العاصمة وأزقتها ترمق حشود المواطنين المتدفقين من كل حدب وصوب، ويكاد المترجل بالشوارع "البهجة" الكبيرة لا يجد مكاناً مريحاً للمشي أو ركن سيارته، إذ بعد أقل من ساعة من موعد الإطار تبدأ الحركة في ازدياد، فمحلات شارع العربي بن مهيدي تفتح مبكراً، حيث تفضل العائلات الخروج باكراً حتى تظفر بتسوق مريح وتضمن مكاناً لركن السيارة، مثلما أكده أحد المواطنين الذي اصطحب زوجته وأبناءه الثلاثة وراح يتنقل بين محلات الأحذية بالقرب من البريد المركزي، مشيراً الى أن زوجته وأبناءه كانوا ينتظرون هذا الموعد بفارغ الصبر، وأن الأيام الأولى من رمضان كان الاهتمام فيها بأمور المائدة ومتطلباتها. وكذلك الحال بالنسبة لشارع ديدوش مراد الذي تتشكل به طوابير السيارات وينتشر المواطنون على ضفاف الطريق يتأملون واجهات المحلات ويتنقلون بينها في جو مفعم بالحركة، كما يصنع الأطفال نكهة خاصة، فالعديد من العائلات تفضل اصطحاب صغارها معها حتى تتمكن من شراء ألبسة ولوازم على المقاس. ويجد تجار زوج عيون بالقصبة القديمة صعوبة في التعامل مع زبائنهم خلال السهرة، فالسير بين المحلات أو "الطاولات المصففة" يصير صعباً للغاية، كون عدد المواطنين يزداد بشكل مطرد، وكأنهم في عز النهار، كما يلمس الزائر الأجواء نفسها بباب الوادي فنهج أول نوفمبر الممتد من ثانوية الأمير عبد القادر إلى غاية سوق سعيد تواتي ، يمتلئ عن آخره، وحتى طاولات العرض بالساعات الثلاث تسجل حضورها، لتلبية حاجيات المتسوقين. ويشهد المركز التجاري "حمزة" بباش جراح هو الآخر زحمة غير مسبوقة، فما إن ينتهي وقت الإفطار حتى يهب المواطنون من مختلف الأحياء وحتى من البلديات المجاورة، حسب شهادات بعض المتسوقين الذين أكدوا لنا أن سلالم الصعود إلى طوابق الفضاء التجاري لم تعد تسع الحشود الوافدة، شأنه شأن المركز التجاري "لوبرانتون" الربيع، بالمحمدية الذي يستقطب زبائنه الكثر نهاراً وليلاً، ويجد أفراد الشرطة صعوبة في تنظيم المرور، وتمكين الناس من ركن سياراتهم. التجّار: ليت ليالي رمضان تطول.. أما أحد التجار بشارع ديدوش مراد فأكد أن الزحمة ستزداد قبيل العيد بيومين أو ثلاثة، كون العديد من العمال سيتقاضون مرتباتهم في تلك الفترة، لكنه لم ينف أن شرائح أخرى من الموظفين العموميين وأسلاك الدولة سيقبضون أجورهم في منتصف الشهر الجاري، مما ينبئ بتعاظم الحركة والإقبال، مضيفاً أنه يسارع الى فتح محله المتخصص في ألبسة الأطفال بعد أقل من ساعة لاستقبال الزبائن، وتمنى محدثنا لو أن شهر رمضان يكون أطول حتى يتمكن التجار من بيع سلعهم التي تتكدّس في غيرها من الأيام. والملاحظ أن المتاجر ضاعفت من عدد عمالها لتمكين الزبائن من قضاء حوائجهم بسهولة، وكذا مراقبة حركة المتسوقين داخل المحلات، وأشار أحد تجار الألبسة بشارع العربي بن مهيدي أنه اصطحب كل إخوته في مساعدته ليلاً، فالعمل يكون أصعب من أجل خدمة الزبائن وتحصيل المستحقات، وأخذ الحيطة من "أصحاب الأيدي الخفيفة"، فهم يغتنمون الزحمة - يقول محدثنا- لسرقة أغراض دون دفع مقابل. ولم ينف تاجر أحذية بشارع أول نوفمبر في باب الوادي استحسانه للعشر الأواخر من رمضان، فخلالها تزدهر تجارتهم ويتخلصون من كم هائل للسلع المكدسة التي يبيعونها في غير رمضان خلال أسابيع، مشيراً إلى أن التعامل مع الزبائن يكون أسهل في السهرة، وحسبه فإن الباعة والزبائن يكونون جميعهم قد أخذوا قسطاً من الطعام وارتشاف القهوة، فلا يتحجّج أحدهم بالجوع والعطش والعياء، مثلما يفعلون نهاراً.