قال المختص في آثار ما قبل التاريخ، الأستاذ نجيب فرحات، إن كتاب الأثرية المرموقة الراحلة جينات أوماسيب، حول الحفرية التي أشرفت عليها لمدة عشر سنوات في موقع تين هاناكاتان بطاسيلي جانت، في مرحلة الطبع. وهو آخر مؤلَّف لإحدى أعمدة ما قبل التاريخ في العالم، التي عشقت الجزائر، واستوطنت أرضها منذ عام 1956. نظّمت المؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار، أول أمس، بمكتبة "شايب دزاير"، ندوة، استذكرت فيها العالمة المختصة في فترة ما قبل التاريخ، الراحلة جينات أوماسيب، التي عشقت الجزائر ولم تغادرها حتى في فترة العشرية السوداء إلى غاية عام 2024، حينما أخذها أحد أقاربها قسرا إلى فرنسا، لتعالج هناك بعد إصابتها بسكتة دماغية. وبالمناسبة، تحدّث تلميذ أوماسيب، الأستاذ المختص في مرحلة ما قبل التاريخ ومدير البحث، نجيب فرحات، بكل حزن، عن ذكرياته مع أستاذته والمشرفة على مذكرة تخرجه، فقال إنه بعد استقلال الجزائر وتحديدا عام 1969، شرع الباحثون الفرنسيون في "مغادرة مناصبهم في المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ، علم الإنسان والتاريخ، ليترأس هذا المركز مولود معمري. وساعدته في المهمة"، وتحديدا في تخصص ما قبل التاريخ، جينات أوماسيب، ومن ثم تم توظيف عدة طلبة من خريجي الجامعات، من بينهم نجيب فرحات، وسليمان حاشي، ونور الدين سعودي. وأضاف: " بعد رحيل الفرنسيين حرصت أوماسيب على الحفاظ على مجموعات المركز وتراثه. كما كانت تساهم، بشكل كبير، في مجلة "ليبيكا" للمركز، التي تَواصل نشرها بعد عودة الفرنسيين إلى ديارهم؛ فقد كانت تصحح مقالات المجلة في صالونها بالبيت، مشيرا إلى اعتماد المركز ومن بين أعمدته أوماسيب، على تشبيبه؛ من خلال توظيف فرقة من الطلبة الشباب، الذين استفادوا كثيرا من علم أوماسيب، ومعارفها، خاصة خلال الحفرية التي أشرفت عليها لمدة عشر سنوات (1973-1983)، بموقع تين هاناكاتان بطاسيلي جانت. وعاد فرحات إلى بدايات أوماسيب في الجزائر التي قدمت إليها عام 1956، للتدريس بثانوية في تيزي وزو، ثم في ثانوية بالحراش، ولم تشأ مغادرة الجزائر التي مكثت فيها، وأصبحت من بين أهم المختصين في فترة ما قبل التاريخ على مستوى العالم. كما أشرفت على المسار الدراسي للعديد من الطلبة، وكانت عونا لهم. وأشار المحاضر إلى نشر أوماسيب العديد من المقالات والنصوص والأبحاث التي تميزت بالجدية والصرامة العلمية، لتنتقل في سنواتها الأخيرة، إلى نشر المؤلفات التي اهتمت فيها بتاريخ الجزائر القديم وجذوره العريقة، خاصة أن الجزائر عرفت منذ مليونين وأربع مائة ألف عام، استوطان الإنسان أرضها، ولم يحدث أن بقيت دون سكان، بل كانت دائما مأهولة. وبالمقابل، تحدّث نجيب عن تعلق أوماسيب الشديد بالحصان؛ فقد كانت تملك عدة أحصنة. ونفس الأمر بالنسبة لزوجها الراحل عبد الرحمن قادري. وكانت، أيضا، تهتم بالحفاظ على حصان البارب، الحصان الأقدم في العالم، والموجود في الجزائر منذ 40 ألف سنة، والذي كان يمتطيه ماسينيسا ويوغرطة، وموجود في النقوش الصخرية بالصحراء، مضيفا أن هذا الحصان مهدد بالانقراض نظرا لتزاوجه بالخيول العربية الأصيلة والخيول الإنجليزية، حتى يستعمل في الفانتازيا بشكل أفضل؛ باعتبار حصان البارب قصيرا نوع ما. وتابع أن أوماسيب رفقة جمع من أصدقائها ومن بينهم المتحدث، أسسوا جمعية "أجر" المهتمة بالخيول، والتي نظمت تظاهرات مختلفة؛ مثل معارض وورشات، وحتى علاجات بواسطة الاحتكاك بالخيول، لصالح الأشخاص المصابين بالتوحد. من جهته، نوّه الباحث ومدير المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ، علم الإنسان والتاريخ، سليمان حاشي، بجهد مولود معمري رفقة أوماسيب وغيرهم، في جعل هذا المركز جزائريا، مضيفا أن الراحلة قدمت إلى الجزائر في عمر غض؛ حيث كانت تبلغ 25 سنة. ولم تغادرها إلا حينما أُخذت عنوة إلى فرنسا عام 2024 بعد مرضها، مشيرا إلى أن آخر مرة التقى فيها أوماسيب، كانت في مكتبه، وهناك تلقّى اتصالا هاتفيا، يفيد بأن الباحث والموسيقي نور الدين سعودي توفي في حادث مرور، فشعر بصدمة شديدة، ولم يشأ أن يخبر أوماسيب بالأمر.