حملت زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، إلى الجزائر توجها ايجابيا في سياق إنعاش العلاقات الثنائية التي عرفت توترا منذ أزيد من 8 أشهر بسبب التصعيد غير المبرر الذي قاده اليمين المتطرّف الفرنسي، حيث بدا أن الطرف الفرنسي سار في المنحى الذي تمسّكت به الجزائر، من أجل إرساء علاقات في إطار احترام السيادة والنّدية لبناء شراكة متكافئة. يبدو أن التصريحات السابقة لرئيس الجمهورية السيّد عبد المجيد تبون، والتي وضع من خلالها النقاط على الحروف حول الأزمة بين البلدين، قد أتت أكلها وقد تجلّت ثمارها في خطوة أولى في المكالمة الهاتفية التي أجراها مع الرئيس الفرنسي منذ أسبوع، حيث اتفقا على إرساء انطلاقة جديدة للارتقاء بمجالات التعاون الثنائي وفق رؤية براغماتية تتماشى والمصالح الاستراتيجية بين البلدين. فسرعان ما أوفد الرئيس الفرنسي، وزير خارجيته كأول عضو من الحكومة الفرنسية إلى الجزائر بعد أكثر من 8 أشهر من التوتر، من أجل إرساء أولى لبنات الحوار الهادئ بعيدا عن التشنّج الذي انعكس على واقع التعاون الثنائي، فضلا عن تشخيص العوائق التي تؤثر على المسار الطبيعي للعلاقات بين البلدين. وتقاسمت تصريحات بارو، رؤية الرئيس تبون، الذي أبدى استعداده التام ل"رفع الستار" وطي صفحة الماضي، للنّظر إلى المستقبل وفق ما يخدم المصالح المشتركة في ظل الروابط الإنسانية، التاريخية والثقافية بين البلدين، حيث شكّلت هذه الزيارة فرصة لاستعراض جميع الملفات التي أثارت القلق في الأشهر الأخيرة، مع العمل على تفعيل المبادئ التي تم الاتفاق عليها بين الرئيسين خلال مكالمتهما الأخيرة، وإحياء الديناميكية التي نصّ عليها "إعلان الجزائر" عام 2022. كما أن نبرة التفاؤل التي ميّزت تصريحات الدبلوماسي الفرنسي، بعد لقائه برئيس الجمهورية، والذي دام لأكثر من ساعتين، تفتح المجال أمام عهد جديد لما يفترض أن تكون عليه العلاقات الثنائية بعيدا عن المنحى الذي يسعى اليمين المتطرّف لتكريسه في علاقاته مع الجزائر وفق رؤية استعمارية محضة. وبرز هذا التوافق في اتفاق البلدين على استئناف التعاون في المجالات الأمنية، القضائية وخاصة فيما يتعلق منها بتنفيذ الإنابات القضائية المتعلقة بقضية الأملاك المنهوبة، إلى جانب التعاون الاقتصادي الذي يتطلع البلدان لإعطائه ديناميكية جديدة، فضلا عن استئناف الاتصالات بين المؤرخين الفرنسيين ونظرائهم الجزائريين ضمن اللجنة المشتركة حول الذّاكرة، إضافة إلى إطلاق حوار استراتيجي حول الساحل. وإذا كانت الجزائر قد أكدت استعدادها لإرساء معالم جديدة للتعاون الثنائي، فإن الكرة اليوم في مرمى الطرف الفرنسي، الذي ينتظر منه تقديم خطوات عملية من أجل إعادة الثقة التي حاول اليمين المتطرّف التأثير عليها، في الوقت الذي أكد فيه الرئيس تبون، عدم اكتراثه للفوضى و"الجلبة السياسية" المثارة في باريس ضد الجزائر، مشدّدا على أن المرجع الوحيد الذي يعمل معه هو الرئيس إيمانويل ماكرون، وهو ما تجسّد من خلال زيارة بارو، إلى الجزائر والذي سيعرض بالتأكيد على المسؤولين الفرنسيين ما جنته هذه الزيارة من مؤشرات تنبئ بانفراج قريب.