التاريخ ذاكرة حية لا يمكن لسياسة أو أكاديمية أو مؤسسة غسل دماغ أن تمحوها فهي طعم حاضر أهلها وركيزة بناء مستقبلهم ومعيار العلاقات التي يقيمونها مع غيرهم خاصة من كانوا شركاء فيه سلبا أو إيجابا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وتأتي ذكرى 17 أكتوبر 1961 كمثيلاتها من ذكريات كفاح شعبنا من أجل الحرية والاستقلال لتؤكد هذه الفكرة وتذكر مستعمر الأمس الذي يحاول أن يكون صديق اليوم بأن ذاكرة الشعوب لا تشيخ وأن الماضي الأليم لا يمكن القفز عليه أو محوه بجرة قلم أو بقرار سياسي ارتجالي. إن ماضينا مع فرنسا الاستعمارية كان كله أشواك وآلام ودماء وترمل ويتم وتشريد ومجازر وجرائم ضد الإنسانية بكل المعاني التي تصف هذه الجرائم، وفرنسا اليوم لا يمكنها أن تتناسى هذه الحقبة، -وهي لا تنساها- وهي تتعاطى مع الجزائر، كما أن الجزائريين الذين عانوا ويلات الاستدمار لن ينسوها ومطالبتهم فرنسا بالاعتراف والاعتذار أقل ما يمكن المطالبة به. إن فاتورة فرنسا الاستعمارية عند الجزائر أكبر من أن يسددها مجرد الاعتراف والاعتذار لأنها هي نفسها عرفت مرارة الاحتلال وقساوته يوم اجتاحها الألمان وبعد أن حررها الحلفاء لم تتسامح مع أبنائها الذين تعاونوا لسبب أو لآخر، وبشكل أو آخر مع الألمان وطبقت في حقهم عملية تطيهر كاملة. وها هي اليوم تأخذها العزة بالإثم وبدل الاعتراف تلجأ إلى تمجيد الاستعمار والخونة، ويدفعها الاستكبار إلى استبعاد الاعتذار، وتطالب بصداقة وتعاون متميز وهو ما ينافي المنطق الذي تبنى عليه الصداقات بين الشعوب.