اليوم: الخميس 19 سبتمبر 2009 الساعة: 51:16 المكان: مطار هواري بومدين الدولي، الحدث: وصول طائرة الخطوط الجوية الجزائرية المقلة للفريق الوطني الجزائري العائد من السودان، بعد التأهل لمونديال2010 بالفوز على الفراعنة..سجلوا جيدا هذا التاريخ لأنه سيدون في قاموس التواريخ الهامة للوطن وكيف لا يكون كذلك وهو التاريخ الذي لن ينساه لاعبو المنتخب الوطني ولن ينساه آلاف المناصرين، الذين غصت بهم العاصمة والذين جاءوا من كل مكان وخلقوا صورا جميلة جدا، من مطار هواري بومدين إلى غاية قلب العاصمة؟ وما أروع ما عشناه ليلة الخميس، حيث خرج الجميع كبارا وصغارا، شيوخا ونساء إلى الشوارع لاستقبال أبطال الجزائر في أجواء لا يضاهيها إلا الاحتفال باستقلال البلاد في 1962 لمن سبق وأن عاشه، كما أكد عليه من عاشوا حلاوته. كانت الساعة 00 : 12 عندما وصلنا إلى الطريق المؤدي إلى الدارالبيضاء، أين بدأ الازدحام والاكتظاظ بوصول المناصرين من كل المسالك المؤدية إلى المطار، مما أوقف حركة السير وجعل الشرطة تغير من مسار الكثير من السيارات، كون أن حظيرة المطار كانت ممتلئة عن آخرها، حاولنا المرور بسيارتنا بعدما قدمنا وثائقنا أمام الحواجز الأمنية، ورغم مرورنا إلا أنه كان لزاما علينا أن نواصل السير على الأقدام إلى غاية القاعة الشرفية لمطار هواري بومدين، التي كانت تستعد لاستقبال الخضر بمحاولة تنظيم كل الأمور قبل نزول الطائرة، حتى يمر كل شيء في أحسن الظروف. فقد كانت الدارالبيضاء مقفلة وكان لزاما على كل من كان متوجها إليها أن يطفئ محرك سيارته والنزول منها، والتوجه سيرا على الأقدام إلى المطار، الذي قامت قوات الأمن بوضع حواجز أمنية على محيطه حتى لا تحدث فوضى وسمح للمناصرين من متابعة خروج المنتخب الوطني من بعيد. فقد شبه زميلي المصور ذلك التدفق الكبير للمناصرين على المطار بالحج الأكبر، لدى رؤيته لجموع الأنصار وهم من فوق الربوة المقابلة للمطار الدولي. بعد قيامنا بكل الإجراءات لتغطية هذا الحدث، والذي أشرفت عليه رئاسة الجمهورية، كانت الساعة تشير إلى 30:13، لتنقلنا حافلة من القاعة الشرفية القديمة إلى القاعة الشرفية الجديدة، رفقة العديد من الزملاء الصحفيين من مختلف العناوين الصحفية ومن التلفزيونات والإذاعات، فالحدث لم يكن ليستهان به وكل رفقاء المهنة كانوا في حالة من القلق والتوتر، وقد حاولوا السيطرة عليه من خلال ترديد أغاني مشجعة للمنتخب الوطني داخل الحافلة، حتى وصولنا إلى القاعة الشرفية الجديدة، التي وجدنا فيها جمعا آخر من الزملاء في حالة ترقب، فالكل كان يتأهب بتعديل آلة تصويره أو الكاميرا وآخرون كانوا يسألون عن موعد وصول الرحلة المقلة للأبطال، والتي كانت من المفروض أن تحط بمطار الجزائر في حدود الساعة الثانية زوالا، هذا الانتظار الذي كان على الأعصاب جعل القاعة المخصصة للصحافة، تلتهب بترديد الأناشيد الوطنية والأغاني المشِيدة بالخضر. ولم يكن انتظار الزملاء طويلا حتى جاءهم ممثل سفارة جمهورية جنوب إفريقيا، الذي عقد ندوة صحفية حول كأس العالم. روراوة أول من نزل من الطائرة الساعة 00:16، وصلت الحافلة المخصصة لنقل العناصر الوطنية من المطار إلى قصر الشعب، ولدى رؤيتنا لها علمنا أن وصول الخضر لن يطول أكثر من هذا، لتفتح بعد ذلك أبواب القاعة التي كنا متواجدين فيها في الساعة 45: :16، أين أسرع الصحفيون إلى الأرضية التي تحط عليها الطائرة، والتي خصص بها مكان لاستقبال الخضر بوضع بساط أحمر من بوابة الطائرة إلى غاية القاعة الشرفية، لتظهر بعد ذلك طائرة الخطوط الجوية الجزائرية التي كانت متبوعة بسيارات الشرطة ومروحية الجيش الوطني الشعبي المحلقة في سماء الجزائر، وتقترب من المدرج الخاص بنزول المسافرين، ليكثر الزحام من وراء الحاجز الأمني على حواف البساط الأحمر، من الذين سمح لهم بالدخول من صحفيين ورجال أمن وحماية مدنية وعائلات اللاعبين وبعض الفنانين المعروفين على غرار الزهوانية وحميد بارودي، الكل حمل آلة تصوير أو هاتفه النقال من أجل الحصول على أول صورة للأسود وهم ينزلون من الطائرة. في الساعة الخامسة مساء، فتح باب الطائرة ليظهر أولا رئيس الإتحادية الجزائرية لكرة القدم، الحاج محمد روراوة إلى جانب رئيس الرابطة الوطنية محمد مشرارة، فقد كان عبد العزيز بلخادم وزير الدولة الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية في استقبال بعثة المنتخب الوطني العائد من السودان، لتلتهب حناجر الحاضرين بالميدان " وان، تو، ثري، فيفا لا لجيري" وما إن رأى الحاضرون المدرب الوطني، رابح سعدان حتى زادت حدة التشجيع التي تواصلت وكثرت بنزول اللاعبين وشوهد رفيق صايفي والبقية متتابعة وهم يحملون العلم الوطني، فكل لاعب كان يحمل الراية الوطنية على ظهره وقد قدمت لكل لاعب باقة من الورود، فالكل كان ينادي بأسمائهم من معارفهم وعائلاتهم والبعض ممن أرادوا الحصول على السبق قبل الجميع، بأخذ صورة تذكارية مع لاعب من اللاعبين. وقد كان لفوزي شاوشي الحارس الذي صد كل هجمات ومحاولات الفراعنة، القسط الأوفر من التشجيع بالقبلات والأحضان من طرف عائلته وأقاربه الحاضرين وكذا من طرف المحبين والمشجعين من المحظوظين، الذين تمكنوا من أن يكونوا في القاعة الشرفية لمطار هواري بومدين في هذا اليوم التاريخي، الذي علق بشأنه أحد الزملاء أن من ضيعه ضيع الكثير من عمره. "وان، تو، ثري.. فيفا لالجيري" في حدود الساعة 30:17 بدأ الموكب في التنقل بعد أن صعد كل اللاعبين على الحافلة التي هيئت لهذا الحدث، ليسمح للعناصر الوطنية من أن يعيشوا هم أيضا الحدث ويحيوا الأنصار وما إن خرجت الحافلة وسط الجمهور حتى أحيطت بالآلاف منهم مرددين: "وان، تو، ثري، فيفا لا لجيري" أمام تحيات أبطال الجزائر الذين طيلة الطريق، وهم يحتفلون مع المناصرين برفع الرايات الوطنية وترديد أيضا "وان، تو، ثري، فيفا لا لجيري" متجاوبين مع الأنصار الذين كانوا في كل مكان على الأرصفة، على الطريق، من فوق السيارات والشاحنات ومن فوق حتى الأشجار وأعمدة الكهرباء، فلا أحد أراد أن يفوت هذا الحدث الكبير الذي تعيشه البلاد فكانت صورة رائعة صنعها المحبون للجزائر والألوان الوطنية، فالكل توحد على كلمة "تحيا الجزائر"، التي دوت بها العاصمة واهتزت بها كل الأحياء والشوارع واقشعرت لها الأبدان، صورة لا يمكن لأي كان أن يصنعها أو يعيدها مرة أخرى، ألعاب نارية جميلة وهتافات وأغان، فالجزائريون حقيقة قضوا على آمال الفراعنة وبرهنوا أيضا على حبهم الكبير لوطنهم والتفافهم حول منتخب بلادهم. حافلة المنتخب الوطني التي كانت محاطة بعدد من سيارات الشرطة وسيارات الرسميين، وجدت صعوبات كبيرة في الخروج من الدارالبيضاء، التي غص طريقها بآلاف المناصرين، الذين كانوا يريدون كلهم مشاهدة الخضر، برقصاتهم وهتافاتهم التشجيعية. "جيش شعب معاك يا سعدان "كانت مدوية وقوية في الدارالبيضاء وباب الزوار، التي استغرق فيها الموكب وقتا طويلا، فهذا الحي المعروف بشعبيته، عرف أيضا مجيء المناصرين من كل مكان في الجزائر، من تيزي وزو، والبويرة، وبومرداس، والجلفة، وعين الدفلى، والشلف، وحتى من وهران ومناطق أخرى بعيدة عن العاصمة حضر الأنصار بقوة، ورغم أن الطريق كان مقطوعا أمام السيارات، فقد اكتظ بالمناصرين وكان يجب تدخل الشرطة لفسح الطريق أمام الموكب ليواصل مسيرته، عبر الطريق السريع المؤدي إلى قلب العاصمة، وتوقف الموكب مرة أخرى في الطريق السريع على مستوى قصر المعارض للصنوبر البحري، فهنا كان العديد من الأنصار بسياراتهم مما تسبب في تباطؤ الموكب المقل للخضر. الساعة 58:19، كان الوصول إلى ساحة أول ماي حيث كان حضور الجمهور مذهلا وهم يرددون كلهم "فيفا لا لجيري" من شرفات العمارات التي غصت بالعائلات التي أضفت بهجة على هذا الحفل بزغاريدها، التي زادت حماسا للمناصرين الآخرين، ففي ساحة أول ماي لم نتعرف في البداية على الجهة كنا فيها، فالنافورة غصت بالجماهير مثل الطريق المؤدي إلى شارع بلوزداد الذي كان ممتلئا عن آخره، وحتى من جانب علي ملاح و مستشفى مصطفى باشا، حيث أطل المرضى من الشرفات لتحية الخضر، الذين لم يتوانوا في مبادلتهم التحية أيضا، ليواصل الموكب سيره، إلى غاية قصر الشعب حيث حظي اللاعبون باستقبال الأبطال من طرف فخامة رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، الذي حيا اللاعبين واحدا واحدا وبادلوه نفس التحية عندما رددوا "بوتفليقة بوتفليقة أو أو أو ". فما عاشته الجزائر يوم الخميس سيبقى من الأيام التي ستتردد على كل لسان وترويه الأجيال للأجيال.