أحيت الجزائر أمس، اليوم العربي للشرطة الذي يصادف الثامن عشر ديسمبر من كل سنة، بإقامة عدة تظاهرات ونشاطات احتفالية عبر كافة أرجاء الوطن، تم من خلالها التأكيد على ضرورة ارساء قواعد تعاون عربي أمني فعال من أجل مكافحة كل أشكال الاجرام، لاسيما العابرة للأوطان كالارهاب والجريمة الالكترونية. ولم يكن مسعى الجزائر في تعاون أمني عربي مشترك وليد البارحة، ولكنه يعود الى السنوات الأولى لتأسيس أول مؤتمر للشرطة العربية في18 ديسمبر 1972 ، ليتعزز ويتجذر الى حد وضعها في مرتبة الريادة عندما خاضت بمفردها أواسط التسعينات نضالا مريرا، عربيا ودوليا، من أجل التوصل الى اتفاقية إطار لمكافحة الارهاب، وإلى إرساء الاستراتيجية العربية لمحاربة المخدرات. وقد كان نضال الجزائر في هذا المجال، متعدد الأوجه وعلى مستويات عدة، منه ما تم على المستوى الثنائي، ومنه ما كان متعدد الأطراف، علاوة على رفع راية مطالب هذا النضال في المحافل الدولية واستطاعت الجزائر رغم الظروف العصيبة التي مرت بها خلال عقد التسعينات لما عرفته من ارهاب أعمى وأزمة أمنية خطيرة، أن تتولى بشجاعة، دور القيادة في العمل والتنسيق عربيا، بخلق أرضية مشتركة بين قوى الأمن والشرطة في الدول العربية في اطار تفعيل التعاون الأمني المشترك، لاسيما عبر منابر هامة كمجلس وزراء الداخلية العرب، ومجلس وزراء العدل العرب، حيث كان دائما صوت الجزائر، عاليا، ودورها نشطا فعالا ايضا، بدليل التوصل مع بداية الألفية الى اتفاقية عربية لمحاربة الارهاب وإلى استراتيجية عربية لمكافحة المخدرات. ومما ساعد الجزائر على اعطاء دفع قوي للتعاون الأمني العربي المشترك هو تجربتها الفريدة من نوعها في مكافحة الارهاب ومحاربة أشكال الجريمة المتعددة، فبعد ظهور الجرائم المستجدة والعابرة للأوطان، عززت الجزائر ترسانتها القانونية بإصدار العديد من القوانين تهدف الى مكافحة الفساد ومطابقة التشريع الوطني مع الآليات الدولية التي صادقت عليها في مجال محاربة الاجرام والجريمة الالكترونية. وبفضل نشاطها الدؤوب في مجال محاربة الجريمة المنظمة والتصدي لظاهرة الحر?ة وتحكمها في استراتيجية مكافحة الارهاب، نجحت الجزائر، في توفير الأجواء التعاونية الملائمة، للقيادات الأمنية للدول العربية، لكي تنشئ »قائمة سوداء« تضم كل أسماء المطلوبين وتجار المخدرات العرب وبذلك صار موقف الجزائر بخصوص هذه المسائل الأمنية، موقفا يرتكز عليه التعاون الأمني العربي المشترك. لاسيما بعد اقرار العالم كله بالتجربة الرائدة للجزائر في مجال مكافحة الارهاب، بحيث صارت المحافل الدولية المعنية بهذه المسائل الأمنية تسترشد بها، وتعتبرها مرجعا أصيلا في بناء أي استراتيجية أمنية سواء أكانت على المستوى الاقليمي او الدولي. الى جانب هذا الدور البارز في إثارة القضايا الأمنية الحقيقية وفي بذل المجهودات عربيا ودوليا بهدف التعاون الأمني المشترك، استطاعت الجزائر تطوير مفهوم الشرطة الجوارية لاسيما من خلال استنهاض وعي المواطن بدور رجال الشرطة وضرورة الوقوف الى جانب القوى الأمنية لمكافحة الارهاب والقضاء على خلاياه النائمة منها والمتحركة. وتمكنت ضمن هذا السياق، أن تعمل على أنسنة العلاقة بين المواطن والشرطة، حيث تم رفع شعار »المواطن هو أساس الأمن وما الشرطة إلا أداة "، الأمر الذي سمح للجزائرأن تبلور نظرتها حيال عولمة حقوق الانسان والأمن الديمقراطي، من خلال تطوير مفهومها لمهام وتحديات ورهانات الشرطة والقوى الأمنية انسجاما مع التغيرات الحاصلة في العالم في جميع مناحي الحياة، وهي المقاربة الجديدة للجزائر التي يمكن ان تعتمد عليها الشرطة العربية لاسيما وهي تحيي يومها العربي.