يحتفل الشعب السوداني الشقيق بعيد استقلاله في ظل آفاق واعدة للتطور السياسي والاقتصادي للبلاد، كرستها الإرادة السياسية التي تأمل في توحيد شرائح المجتمع في هذا البلد للتفرغ للأمور التنموية، وانطلاقا من هذه المعطيات الايجابية، قررت الجزائر مشاركة السودان احتفالات الذكرى ال 54 في ظل الزخم الشعبي الكبير الذي أضفته مباراة كرة القدم التي احتضنها ملعب أم درمان السوداني على العلاقات الثنائية الممتازة بين البلدين. ومشاركة الجزائر الاحتفالات المخلدة لذكرى عيد استقلال السودان الشقيق بهذه الكيفية وبكل ما تحمله من دلالات رمزية إنما يعبر عن عمق العلاقات بين البلدين وعن أواصر الأخوة المتجذرة بين الشعبين عبر التاريخ، وما التوافد القوي للجماهير الجزائرية على الخرطوم، بمناسبة اللقاء الكروي بين الجزائر ومصر، والاستقبال والترحاب الأخوي الذي لاقاه الأنصار الجزائريون إلا تعبير صادق لما يطفح به المخيال النفسي والاجتماعي للشعبين من شعور أخوي مملوء بقيم العروبة والإسلام وقيم التضامن العربي التي ظلت تميز هذين الشعبين في السراء والضراء. ولذلك يمكن القول أن هذا الحدث الكروي الهام، عربيا ودوليا، استطاع أن يضفي نقلة نوعية" على تاريخ العلاقات الجزائرية - السودانية ، بما أحدثه من تعزيز للبعد الشعبي لهذه العلاقات بفضل توافد الجزائريين على الخرطوم والتحامهم بإخوانهم في السودان، حيث تقاسموا مع بعضهم البعض، الديار ثم فرحة الانتصار، وهاهم اليوم، يتقاسمون الأفراح المخلدة لذكرى عزيزة على الشعبين هي عيد استقلال السودان الأشم. إن دبلوماسية كرة القدم إن صح التعبير التي أرخت لها مقابلة أم درمان، جاءت تعبيرا عن تطور مستوى العلاقات السياسية بين الجزائروالخرطوم، فأعطت له دفعا ليشمل جميع مناحي هذه العلاقة التاريخية بين البلدين. ولا أدل على ما نقول من تصريحات مسؤولي قادة البلدين في أعقاب المباراة التاريخية، حيث دعوا مباشرة، إلى ضرورة الاستفادة من هذه الديناميكية وترجمة هذه النقلة النوعية في العلاقات الجزائرية- السودانية إلى "شراكة استيراتيجية" تكون مبنية على أسس جديدة وعلى مصالح حقيقية، مثلما صرح به القائم بالأعمال في سفارة السودان بالجزائر، الذي كشف عن شروع حكومتي البلدين في التنسيق والتشاور لوضع "خطة طموحة" من أجل تهيئة المناخ لإقامة شراكة فعلية في مختلف الميادين والقطاعات، خاصة - كما قال- وأن البلدين "لديهما إمكانيات وقدرات هامة، يمكن استغلالها للتأسيس لهذه الشراكة. ولا يخفي على أحد أن أسس إقامة هذه الشراكة النموذجية لاسيما للأشقاء العرب، متوفرة ومتأصلة في المواقف الثابتة للجزائر ولرئيسها السيد عبد العزيز بوتفليقة في دعم السودان والوقوف إلى جانبه، خاصة في أزمة دارفور وقضية المذكرة التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس السوداني عمر حسن البشير، ناهيك عن تطابق مواقف البلدين بخصوص قضايا الأمة العربية والإسلامية، التي تأتي في مقدمتها القضية الفلسطينية، ورفض التطبيع مع إسرائيل. ومن باب التذكير فقط نقول أن الجزائر، أيضا، كانت دائما ولا تزال تدعم وحدة السودان واستقراره وسيادته على أراضيه وثرواته في الجنوب كما في غربه، ولعل تقاسم قيادة البلدين لهذه المبادئ والمواقف، هو الذي يزيد في التفاؤل بمستقبل زاهر للعلاقات السياسية والاقتصادية بين الجزائر والسودان، كما يجدر بنا أن نلفت الانتباه بأن دبلوماسية كرة القدم التي أرخت لها مباراه أم درمان، مكنت السودان من أن يفك الحصار المفروض عليه بأنواع مختلفة، وأن يملأ الدنيا بتواجده الإعلامي عندما احتضن مباراة التأهل للمونديال وقد نجح بامتياز، وكانت رسالة الشكر والامتنان التي وجهها الرئيس بوتفليقة إلى السودان شعبا وحكومة، عنوان هذا النجاح، فألف مبروك للبلدين على خطى النجاح في عيد الاستقلال.