أكد الدكتور حمود صالحي أستاذ العلوم السياسية بجامعة جنوب كاليفورنيا أمس أن أنظمة دول الخليج العربي مبنية على المقاربة الاقتصادية أكثر من المقاربة السياسية والأمنية في تعاملها مع الغرب لاسيما الولاياتالمتحدةالأمريكية، مما أبقاها تحت القوقعة الأمريكية بحكم المصالح الاستراتيجية التي ترعاها لها واشنطن في المنطقة. وأضاف الدكتور صالحي أن اهتمام دول الخليج العربي وبالأساس مجلس التعاون الخليجي بالجانب الاقتصادي لاسيما المحروقات على حساب الجوانب الأخرى، أفقدها وزنها ودورها في اتخاذ القرارات السياسية الحاسمة على الصعيد الدولي، في الوقت الذي تحاول فيه تبني استراتيجية أمنية محكمة تجاه الأخطار الخارجية المهددة لها.كما أوضح المتحدث في الندوة الفكرية التي احتضنها مركز "الشعب" للدراسات الاستراتيجية حول موضوع "التحديات الأمنية في الخليج العربي"، -بحضور بعض أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمد في الجزائر كالوفد اليمني والسعودي، وممثلين عن وزارة الخارجية، بالإضافة إلى أساتذة كلية العلوم السياسية والإعلام وبعض طلبة الماجيستير- أن هذا التوجه صار الغالب على حكومات دول الخليج بالنظر إلى عدد الاجتماعات الوزارية التي تعقدها سنويا، فمثلا يجتمع وزراء الاقتصاد أربع مرات، بينما يجتمع وزراء الدفاع مرة واحدة على مدار السنة. وبعد أن ذكر المحاضر بالجانب التاريخي والفلسفي الذي صاحب نشأة مجلس التعاون الخليجي، ومختلف مراحل الصراع والنزاعات التي عاشتها دول المنطقة إلى ما بعد نهاية حرب الخليج الثانية، وحتى إلى مابعد أحداث 11 سبتمبر 2001، سلط الضوء على مختلف التحديات الداخلية والخارجية التي بقيت حجر عثرة في رقي وازدهار دول مجلس التعاون الخليجي، كالتحدي الإيراني الذي يبقى حسب تصريحات وتحاليل المتتبعين للوضع يحظى باهتمام دول المنطقة في ظل حذر كبير بحكم العداء الكلاسيكي بين الطرفين بسبب الاستيلاء على بعض جزر الدول العربية. والذي يستبعد الخبراء أي عدوان محتمل بين الطرفين بحكم سباقهما المتسارع نحو التسلح. كما أشار أستاذ العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا إلى تحد أخر لا يقل عن الأول والمتعلق بالهوية الخليجية التي باتت مهددة بالزوال والذوبان في المنطقة، بحكم التطور المشهود في السنوات الأخيرة على كافة المستويات وما صاحب تدفق العمالة الأجنبية في المنطقة، وهوما أثر على العادات الموروثة واللغة. ويأتي الاستقرار السياسي كتحد أخر لا تعاني منه دول الخليج محليا فقط، بل يتعدى ذلك حتى الى الجانب الخارجي كبعض التصعيدات في العمليات الارهابية، حيث سجلت سنة 2008 ما يقارب 520 عملية ارهابية، مقارنة ب208 عمليات سنة 2007، وهو ما يعكس التنامي المتزايد لعدم الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة. ومن جهة أخرى، تناول الدكتور صالحي تحديات ما بعد البترول لهذه الدول التي اقتنع بعضها برسم استراتيجيات تحضر لما بعد هذه الثروة كالطاقات البديلة، وكذا تداعيات التنمية السريعة واعتمادها على مصادر أجنبية في الوصول إلى ذلك، وكيفية التوفيق بين بناء حضارة عصرية تأخذ بعين الاعتبار التطور الإنساني ومراكز المعارف الفكرية.كما يبقى الأمن الخليجي مرتبطا بمصالح أمن الدول الخارجية خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية، والذي يعود لعدة عوامل كعدم الثقة في الأنظمة العربية المعرقلة لأي مشروع يهدف إلى سلامة المنطقة وحماية أبنائها. حيث تبقى منطقة الخليج العربي تركز على بناء المؤسسات أكثر من التفكير في بناء الإنسان الخليجي وثقافته المرتبطة بالمنطقة، فمعظم المستشارين والاطارات الحكومية الخليجية خريجو الجامعات والمعاهد الأمريكية التي تربطهم بها صلة وطيدة.وفي هذا الإطار، قال الدكتور حمود صالحي إنه لا توجد حاليا دولة عربية قوية في الخليج بامكانها حماية مصالح المنطقة ككل من الخطر الأجنبي وفق ما أثبتته التجارب السابقة في عدة دول كالعراق، الكويت والسعودية لاسيما فيما يتعلق بالقواعد العسكرية، وهو ما يعطل قابلية هذه الدول على اتخاذ قراراتها السياسية حيال القضايا الاستراتيجية. وما زاد الطين بلّة، وفتح أبواب الأطماع الغربية على منطقة الخليج العربي حسب المحاضر هو غياب التنسيق العربي ووجود تباين في وجهات النظر لمواجهة المشاكل الكبرى المهددة للإقليم، إضافة إلى المشاكل الأخرى المعيقة لتطور سياسات المنطقة.