"قدّم مؤخّرا بوهران الباحث الجزائري في علم الآثار محفوظ فروخي، آخر كتاب له بعنوان "أسلافنا الملوك النوميديون"، الذي يعرض، حسبما أشار، "رؤية غير مبتورة" للتاريخ المغاربي في عهد المملكة النوميدية من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الأول. ويعتبر هذا الكتاب الذي يقع في 150 صفحة والذي يضمّ العديد من الرسومات، خرائط وعلم الأنساب والصور، ثمرة لما لا يقل عن 25 سنة من البحث الوثائقي، من خلال مختلف الكتابات المعاصرة والمصادر اللاتينية واليونانية، وقد سمح الفحص الموضوعي لمختلف هذه الوثائق للسيد فروخي باستنتاج أوّلا أنّ "الكثير مما قيل من قبل حول الفترة المذكورة كان يعتمد على مجرد فرضيات فقط". وتطرّق الخبير في هذا الإطار إلى المراجع اللاتينية التي أشير إليها من طرف العديد من الكتاب الذين عكفوا على دراسة تاريخ الحضارة النوميدية، معاتبا إياهم على جعل من تحاليلهم خلاصات لم يتم ذكرها أبدا في المراجع المذكورة. ويقول نفس المؤلف أنّ "المثال الذي قدّمه في غالب الأحيان من أجل شرح هذه النقطة، يتعلّق ببعض الكتّاب الذين نقلوا بأنّ جوبا الثاني والد آخر ملوك النوميديين بتوليمي، قد سجن قبل أن يقتل ويسحب في طرقات روما، في حين أنه جاء في المراجع الوثائقية بأن جوبا الثاني قد نفي إلى ايطاليا فقط". واقترح السيد فروخي من خلال "أسلافنا الملوك النوميديين"، قراءة للتاريخ تختلف عن هذه المقاربة الرومانية - الوسطية التي تمنح صورة منقصة للحضارة النوميدية وللبعد المجيد لملوكها. وأشار في نفس السياق، إلى أنّ "الحضارة النوميدية كانت الوحيدة التي تتساوى مع الحضارة اليونانية، حيث كان يعتبر جوبا الثاني من أعظم ملوك النوميديين علما، وهذا ما تبرزه العديد من التماثيل والكتابات اليونانية المخصصة للحضارة النوميدية". وحسب السيد فروخي، فإن جوبا الثاني الذي كان يدعى الملك العالم، ألف موسوعة كبيرة سرقها الروماني "بلاين القديم" من خلال مؤلفه "قصص طبيعية" (القرنين الأول والثاني بعد الميلاد). وقد كان لجوبا الثاني وزوجته "كليوباترا سيلان" (ابنة الأمبراطور الروماني مارك أنطوان وكليوباترا ملكة مصر) ابن يدعى "بتوليمي"، الذي كان بإمكانه أن يخلف مارك أنطوان لو لم يقتل من طرف ابن حفيد هذا الأخير "كاليغولا". ويشتمل مؤلف السيد فروخي الصادر عن دار النشر "داليمان " بالجزائر العاصمة، فصلين كبيرين معنونين ب"الملوك الإفريقيين بين السيف والقلم" و"التأثيرات والمعتقدات"، وقد خصّص الفصل الأول للملوك الأوائل (أغيليدس) وحروب الاستقلال (القرنين2 و3 و2 قبل الميلاد)، مثل غايا وسيفاكس وماسينيسا وميسيبسا ويوغورطا، إلى جانب ملوك السلالة الثانية (القرن 1 قبل الميلاد)، مثل غودا وهيمبسال وجوبا الأول وجوبا الثاني وبتوليمي. كما يتناول الفصل الأول أيضا ملكات وأميرات المملكة النوميدية على غرار سوفونيسب وكليوباترا ملكة الملكات. أمّا الفصل الثاني فيسلّط الضوء على الغموض الذي يكتنف القبور الملكية منها ضريح بني رينان بسيقا وصومعة الخروب التي لم يتم التعرف أبدا على الملوك المدفونين بها. وللإشارة، يهدي مؤلف هذا الكتاب، الذي كتبت مقدمته وزيرة الاتصال، السيدة خليدة تومي، إلى الراحل سيد أحمد باغلي (1933 -2009) مؤسس علم الآثار الجزائري في سنة 1963. وقد درس محفوظ فروخي المولود في 1953 بالجزائر العاصمة، تاريخ الفن وعلم الآثار بجامعة أريسطوط تيسالونيكي (اليونان)، قبل أن يناقش أطروحته في الدكتوراه سنة 2001 بجامعة بول فاليري لمونبوليي (فرنسا)، وقد كلّف منذ 1991 بمهمة للتعاون الدولي (المغرب العربي) بالمعهد الوطني للبحث في علم الآثار الوقائي (فرنسا).