أخذت قضية اغتيال محمود المبحوح مؤسس كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة "حماس" بعدا دوليا، ولا يبدو أن تداعياتها ستتوقف عند حد كونها قضية اغتيال سياسية.فكلما مر يوم منذ انكشاف هذه الفضيحة إلا وتسربت عنها أسرار وخبايا كثيرة أفقدتها طابعها المخابراتي وجعلت جهاز "الموساد" وكل إدارة الاحتلال الإسرائيلي في ورطة من أمرها. وتحولت تداعيات هذه الفضيحة إلى أشبه بكرة ثلج كلما تقدمت التحقيقات بشأنها إلا وتوسعت دائرة الأطراف المعنية بها بعد أن بدت في بدايتها على أنها قضية تصفية حسابات أو تصفية انتقامية إلى قضية ذات تشعبات دولية بعد أن بدأت شرطة إمارة دبي تفكك شفراتها التي أوصلتها إلى توريط كوموندو من جهاز الموساد وصولا إلى مير داغان مدير جهاز الموساد قبل أن تصل نارها إلى تحت أقدام الوزير الأول الإسرائيلي بنيامين نتانياهو. فقد أكدت تسريبات إعلامية من مصادر ذات صلة بجهاز المخابرات الإسرائيلي أن هذا الأخير أعطى شخصيا الضوء الأخضر والتزكية السياسية لعملية اغتيال المبحوح واستقباله لعناصر الكوموندو في مقر جهاز الموساد قبل تنقلهم إلى مدينة دبي لاقتراف جريمتهم. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو استقبل شهر جانفي الماضي في مقر هذا الجهاز من طرف مير داغان الذي ابلغه بمخططات تصفية محمود المبحوح والتي لم يتأخر نتانياهو في تزكيتها وإعطاء الضوء الأخضر لتنفيذها معتقدا أن المجرمين سينفذونها دون أن يتركوا دليل إدانتهم في موقعها ولكنه اخطأ التقدير إلى درجة أن قضية المبحوح تكاد تعصف بحكومته العنصرية. فقد أصبحت هذه الجريمة قضية دولية بعد أن دخلت الحكومات البريطانية والايرلندية والفرنسية والألمانية رغما عنها كأطراف في هذه القضية بعد أن وجدت جوازات سفر رسمية لرعايا يحلمون جنسيتها استعملت في الدخول والخروج إلى دولة الإمارات العربية لتنفيذ جريمة الاغتيال. ويبدو أن تداعيات هذه العملية لن تتوقف عند هذا الحد وخاصة في ظل تصريحات مختلف المسؤولين الإسرائيليين على تحميل نتانياهو مسؤولية الكلمة النهائية قبل الإقدام على عملية بهذه الأهمية. وهو ما أكد عليه وزير الصناعة الإسرائيلي بنيامين بن اليعازر ووزير الدفاع الأسبق الذي أكد أن العمليات التي ينفذها الموساد يجب أن تحصل على تزكية الوزير الأول وحمل بطريقة ضمنية الوزير الأول مسؤولية تداعيات فضيحة المبحوح عندما أشار إلى أن داغان بإمكانه أن لا يقدم أي توضيح أمام الحكومة إذا كان قد حصل على أمر التحرك من الوزير الأول. كما أن نتائج التحقيقات التي ما انفك مدير شرطة دبي يكشف عنها في كل مرة اكدت أن السلطات الإسرائيلية تورطت على أعلى مستوى وخاصة وان منفذي العملية كانوا يحملون جوازات سفر دبلوماسية باسم الدول التي ينتمون إليها لتفادي أية شبهة وتبديد الشكوك من حولهم. وقال مدير شرطة دبي ضاحي خلفان في تصريح صحفي أمس أن منفذي جريمة الاغتيال دخلوا التراب الإماراتي بجوازات دبلوماسية وأكد أن تعاونا مخابراتيا يتم بين مصالحه وبريطانيا وفرنسا وايرلندا وألمانيا على اعتبار أن الأدلة التي بحوزتنا والقضايا التي يتم الكشف عنها من طرف شرطة دبي لا يمكن تجاهلها من طرف الدول المعنية بهذه القضية التي لم تعد قضية محلية وإنما أخذت أبعادا تمس دولا أجنبية. واضطرت السلطات الإماراتية أمس إلى استدعاء سفراء دول الاتحاد الأوروبي المعتمدين لديها إلى مقر وزارة الخارجية حيث عبرت لهم عن بالغ قلقها من تبعات استعمال جوازات سفر دبلوماسية لدول أعضاء في الاتحاد من طرف منفذي عملية الاغتيال. وقالت مصادر دبلوماسية إماراتية أن وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان عبر لسفراء الاتحاد الأوروبي عن قلق بلاده لسوء استغلال المزايا التي تمنحها الدولة الإمارايتة لرعايا بعض الدول "الصديقة" بالدخول إلى إقليمها دون تأشيرات سفر وهي المزايا التي تم استغلالها باسمها من أجل اقتراف جريمة قتل. واللوم الإماراتي موجه لهذه الدول التي لم تراع مصالحها وانتهكت حرمتها الدبلوماسية بعد أن سمحت لجهاز استخباراتي مارق لأن ينفذ جرائم باسم رعاياها. ولكن السؤال الذي يطرح هل ستقوم هذه الدول باتخاذ إجراءات ردعية ضد إسرائيل ليس لأن ضحية الموساد مواطن فلسطيني ولكن لأنه انتهك حرية رعاياها وورطهم في عملية اغتيال لا علاقة لهم بها.