يلتقي قادة الدول العربية اليوم بمدينة سيرت الليبية في قمة سنوية عادية ولكن التوقيت والظروف التي تنعقد فيها تجعلها أكثر من استثنائية بسبب التهديدات التي أصبحت تحيط بمدينة القدس الشريف التي لا يخلو خطاب عربي على نعتها بأنها القضية الأم للعرب وكل المسلمين. ولأن القضية أخذت بعدا دوليا وانتقلت إلى شبه قبضة بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل بعد فشل قمة نتانياهو وأوباما فإن الدول العربية أصبحت وكأنها في موقع المتفرج على قضية هي أم قضاياها وبقيت تترقب ما قد تسفر عنه نتائج عملية لي الذراع الإسرائيلية الأمريكية حول الاستيطان. ورغم ذلك فقد وجد القادة العرب أنفسهم أمام معضلة هذه القضية التي ضاعت منهم خيوط حلها حيث ستلقي تداعياتها بكل ظلالها على أشغال يومين من المحادثات العربية لعلهم يتوصلون إلى حل عملي بعيدا عن لغة الخطابة والأماني. والموقف سيحتم على العرب بالضرورة أن يحسموا في أمر مبادرتهم السخية التي قدموها لإسرائيل منذ سنة 2002 مقابل التطبيع معها ولكنها قابلتها بالرفض القاطع واعتبرت أنها لم تعد تواكب الظرف الزمني الذي يعرفه مسار السلام. ليبقى السؤال الذي طرح في القمة السابقة هل سيقرر العرب هذه المرة إلغاء العمل بها وهم أنفسهم الذين أكدوا في قمة العام الماضي في الخرطوم السودانية وقبلها في الدوحة القطرية أن مبادرتهم لا يعني أنها مطروحة على الطاولة إلى ما لا نهاية بلغة تهديد لم ترفق بقرارات عملية. ومهما يكن قرارهم النهائي فالمؤكد هذه المرة أنهم سيجدون أنفسهم محاصرين بالأحداث الدامية في القدس الشريف بعد قرارات حكومة الاحتلال بإقامة أكبر المشاريع الاستيطانية فيها وبعد أن اعتبرتها عاصمتها الأبدية وهو ما يجعل المبادرة العربية وبتحصيل حاصل لاغية حتى وان أبقى العرب عليها مادامت إسرائيل ترفض أهم بند فيها وهي جعل القدسالشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية. وتعد هذه القمة أفضل مناسبة للدول العربية لإلغاء مبادرتها التي بقيت على الطاولة منذ ثماني سنوات وتجاهلتها إسرائيل عمدا واستصغارا للمبادرين بها ورفضا لأي سلام بعد أن كانت هي التي تبحث عنه ولكنها لما وجدته معروضا عليها أدارت ظهرها له بسياسة استيطانية غير مسبوقة وفي أقدس المقدسات العربية - الإسلامية. والوقت مناسب جدا أمام العرب لقول كلمة "لا" في وجه إسرائيل التي تحدت حليفتها واشنطن وكل المجموعة الدولية بعد أن قررت ضم القدسالشرقية والقول أنها العاصمة الأبدية للدولة اليهودية التي بناها اليهود قبل ثلاثة آلاف سنة وهم يبنونها اليوم في عبارة تغني عن أي تعليق أو قراءات أخرى. والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم قبل الغد هو ما هي وسيلة الضغط وكيفية التعاطي العربي مع الموقف الراهن لوقف آلة التدمير الإسرائيلية بعد أن صمت حكومة الاحتلال كل أذن للتعقل وتفادي تعفين الوضع وإدخال المنطقة في متاهة عنف جديدة.