أحيت إسرائيل أمس ستة عقود من الاضطهاد المتواصل ضد الشعب الفلسطيني الذي عانى الأمرين على أيدي زبانية وإرهابيي الجماعات اليهودية منذ 1948 التي كانت بداية مأساة مازالت تبعاتها متواصلة إلى حد الآن. فقبل 62 عاما من الآن عرفت ارض فلسطين التاريخية تجسيد بنود وعد بلفور ثلاثون سنة بعد التوصل إليه بدعم من الحكومة البريطانية التي سعت من اجل إيجاد ''ارض لشعب بدون ارض'' في إشارة إلى اليهود الذين سعوا بكل الطرق والوسائل إلى تمكين واضعي الفكر الصهيوني من تحقيق حلمهم في ارض الميعاد المزعومة بأرض فلسطين العربية. ولم تكن جماعات ''الهاغانا'' و''الأرغون'' الصهيونيتين الإرهابيتين إلا وسيلة لتجسيد فكر منظر الصهيونية هرتزل سنة 1917 بإراقة وديان من الدم الفلسطيني لزرع الرعب في نفوس السكان الأصليين قبل أن تتبعها عمليات تهجير ممنهجة لتفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها والذين أصبحوا يعيشون في الشتات ومخيمات اللجوء في دول الجوار العربية ضمن خطة أحكمت الدول الاستعمارية التغطية عليها وتجسيدها كما أراد لها مؤسسو الفكر الصهيوني. وتعود ذكرى زرع الكيان الإسرائيلي المحتل في قلب الوطن العربي بعد أكثر من ستة عقود وكأن التاريخ يعيد نفسه ضمن حلقات تطبيق الاستراتيجية الصهيونية التي اعتمدت الفكر العنصري المستنسخ من النظرية العنصرية البيضاء في جنوب إفريقيا. ويتواصل مثل هذا المسلسل حتى وان تغيرت المعطيات الدولية والقوى المتحكمة فيه بعد أن احتلت الولاياتالمتحدة مكانة بريطانيا في لعبة التمكين لدولة ''اليهود النقية'' التي يعمل عليها الثلاثي العنصري نتانياهو وليبرمان وباراك على تجسيدها في الوقت الراهن. وإذا كانت بريطانيا قد لعبت دورا محوريا في وضع أسس الدولة اليهودية وحمايتها بحكم كونها القوة الاستعمارية التقليدية في الوطن العربي فإن الولاياتالمتحدة استخلفت هذا الدور بشكل تصاعدي منذ خمسينات القرن الماضي وهي الآن الآمر الناهي في كل سياسة في المنطقة. وهي التغطية السياسية التي عملت الإدارات الأمريكية المتتابعة على ضمانها لدولة إسرائيل الدخيلة بدعوى حمايتها من أعدائها. والمفارقة أن هذا المنطق هو الذي مازال سائدا إلى حد الآن ولم يفوت الرئيس باراك أوباما مناسبة هذه الذكرى ليقول نفس ما كان يؤكد عليه كل الرؤساء الأمريكيين الذين سبقوه إلى البيت الأبيض وراح يثني أمس على هذه الدولة والتأكيد أن إدارته ستعمل على تعزيز العلاقات التاريخية مع إسرائيل بعد أن ثمن انجازات الدولة اليهودية التي قامت على أجساد وأرواح مئات آلاف الشهداء الفلسطينيين وعشرات آلاف المعتقلين وملايين اللاجئين ولكن أيضا على حساب الأرض الفلسطينية المغتصبة التي ابتلعت تدريجيا وبلغت الآن مدينة القدس الشريف كخطوة حتمية لصمت وتواطؤ دولي مفضوح. والمفارقة أن هذا الواقع يتواصل وقد شرعت إسرائيل في عملية تهجير اخطر من تلك التي نفذتها جماعات الإرهابيين بن غريون وغولدا مايير وبغين وموشي ديان وشامير وشارون الذين تفننوا في تقتيل وإعدام الفلسطينيين في حرب الاجتياح الأولى سنة 1947 بإصدار جيش الاحتلال لأوامر عسكرية لتهجير آلاف الفلسطينيين من مدن الضفة الغربية بدعوى الإقامة غير الشرعية.