تمنراست نزلت بكل ثقلها الثقافي ضيفة ولمدة أسبوع كامل على مدينة الكروم وحقول القمح، المدية، لتقيم بها عرسا ثقافيا وتفتح دفاترها الزمنية البعيدة منها والقريبة آيات للفن والثقافة والإبداع بكل تجلياته، أسبوع ثقافي تمنراستي يستمر لغاية السابع من شهر ماي الجاري. الكثير منا في هذا الشمال المتواصل بقممه والمترابط بتاريخه وعادته يجهل ذاك الجنوب الكبير الضارب في امتداد أعماق الزمن المرتبط في تاريخه بعراقة وأصالة الشعب الجزائري، تمنراست تمر دائما في طريقها على عاصمة الكروم والقمح المدية، لكن هل استراحت وأناخت قوافلها لتعرض امتعتها وتستريح من وعثاء السفر الى ما يقرب ال2000 كلم، هاهي تمنراست بثقلها تحل بالمدية وفي حقائبها الكثير من المفاجآت السارة وكثيرا من الحكايات والأساطير العجيبة والمدهشة، قد تكشف المدية الملكة تين هينان في رحلتها الطويلة الشاقة من المغرب الى أن أرست بها سفن الصحراء في أحضان تلك الجبال الشاهقة والأرض الواسعة آبالسة التي تبعد عن مدينة تمنراست بحوالي 90 كلم. هاهي تمنراست التي كانت حلما من تلك الأحلام التي تفسرها بعض الأشرطة الوثائقية عن الرجال الزرق وهم يمتاطون المهاري ويضربون في الصحراء، تتحول الى ملامسة ومقاربة تتواصل برقصات التيندي والأمزاد وأنغام تازمارت (الناي)، ولكل حركة قصة ولكل نغمة حكاية وأسطورة. الخيم الجلدية التي تفنن في نسجها وحياكتها الإنسان التارقي، اللباس الفاخر، الحلي الفضية، الأواني، أثاث البيت الجلدي، السيوف، فرسان المهاري، العودة من رحلة الصيد أو الغزو، العمائم التي هي رموز للقبائل التارقية التي تنحدر كلها من تلك الأم العظيمة ''تين هينان'' الصحراء بغزلانها وفهودها، بنقوشها وإبداعات إنسانها الذي تجلى ذوقه الفني برسوماته على الصخور، والذي كتب يومياته بذلك الفن الجميل وأرخ لحياته بكل عفوية وصدق فكان الإنسان الفنان المدهش. هذه الأشياء الجميلة التي جاءت بها تمنراست الى المدية، هي ما يكتشفه المواطن اللّمداني ويعيد قراءته والاستمتاع به سواء في تلك الخيمة التي تم نصبها قبالة دار الثقافة حسن الحسني، أو من خلال الاستعراضات الفلكلورية المدهشة التي تشكل لوحاتها الفرق المتعددة التي حضرت خصيصا في هذا الأسبوع للتعريف بالتراث الثقافي التمنراستي من خلال جمعية الملتقى الإفريقي وجمعية الأحلام، وليس الفلكلور وحده سيد الاستعراض والطبق الشهي الذي يتم تقديمه لجمهور المدية، بل هناك فنون أخرى في حوزة تمنراست، حيث برمجت أمسيات شعرية، بالإضافة الى سحر النغمات والمعزوفات التي تتفتح من خلالها الأساطير وتتفكك طلاسم الحكايا أمام خيمة وإبريق شاي على نار هادئة وسماء مفتوحة على خبايا الكون لتحكي قصة حب بين قمتين، آلة الأمزاد، تازمارت رقصات التيندي، بالإضافة إلى هذه الأشياء الجميلة ستكتشف المدية ألوانا أخرى. كما أن الأسبوع الثقافي الذي سينتج عنه احتكاك ترابط ثقافي وفكري وتاريخي، سيتيح لضيوف الجنوب بالتعرف على مدينة المدية، هذه المدينة الحضرية التي تعاقبت عليها الحضارات والثقافات وشكلها التاريخ، يتعرف عليها التارقي من خلال زيارته لبعض المعالم الأثرية التي تتميز بها هذه الولاية الخضراء التي تسكن هي الأخرى قمم الجبال-.