شكلت التجارب المختلفة في تدارس وتحفيظ القرآن الكريم بدول المغرب العربي محور أشغال أمس بالعاصمة وقف من خلالها الخبراء على أفضل الوسائل لتأهيل حفظة كتاب الله فكريا وعلميا. وكان هذا الملتقى الأول من نوعه الذي نظمته المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الايسيسكو) بالتنسيق مع وزارة الشؤون الدينية والأوقاف واللجنة الوطنية الجزائرية للتربية والثقافة والعلوم لقاء علميا متخصصا لموضوع حفظة القرآن الكريم كمؤثرين وفاعلين مندمجين. وفي رسالة بعث بها إلى الملتقى نوه وزير التربية الوطنية السيد ابوبكر بن بوزيد ورئيس اللجنة الوطنية الجزائرية للتربية والثقافة والعلوم بأهمية تحفيظ وتدارس كتاب الله وتوفير الوسائل التربوية باعتباره مقوما رئيسيا لبناء الإنسان والحضارة ومذكرا بالأهمية التي أولاها الإسلام منذ 14 قرنا للتربية والتعليم وصياغة رؤية عميقة لذلك. كما تطرق السيد بن بوزيد في رسالته إلى ظاهرة انتشار الأمية في الأوساط الاجتماعية للأقطار المغاربية والآفات الأخرى التي تتولد عنها والأكثر فتكا ''وهذا بيت القصيد -يضيف الوزير في رسالته- لمهام وأهداف الاسيسكو ببرامجها ونشاطاتها في الحد منها والقضاء عليها''. ويعقد الملتقى هذا في الوقت الذي أصبحت الثقافة مهددة كباقي الثقافات العالمية من طرف العولمة الكاسحة يؤكد السيد بن بوزيد. مشيرا إلى أن ''انتشار الزوايا في ربوع الوطن يعتبر صحوة حقيقية في النهوض برسالة التعليم القرآني وإعداد رجال أقوياء متمسكين بكتاب الله ومدافعين عن ثوابت الأمة''. أما المحاضر يوسف أبو دقة ممثل الاسيسكو فقد أكد في كلمة له على العمل للمحافظة على تطوير الرسالة التربوية في العالم العربي وترسيخ قيم الحضارة الإسلامية لتحقيق النهضة العلمية المرجوة والعناية بالقرآن الكريم وتطوير أساليب تعليمه ومناهجه وضرورة إنشاء المعاهد القرآنية الحية في الوجدان العربي. كما أشاد بعملية تبادل التجارب وتعزيز الخبرات واستثمار كل ما يخدم التعليم القرآني في الوطن العربي وتواصل جهود الاسيسكو مع الهيئات ذات الاهتمام المشترك وإبراز الوسائط المتعددة ووسائل التكنولوجيا لتعليم وتحفيظ القرآن الكريم. ومن جهته أكد الدكتور عيسى بن ناصر الدريبي ممثل الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم بالرياض بالمملكة العربية السعودية على ضرورة العناية بكتاب الله عز وجل ومعجزة محمد (ص) حفظا وقراءة ودراسة وذلك بمواكبة الحراك الثقافي عبر التقنية الحديثة. وبالمناسبة صرح المتحدث بأن مؤتمرا دوليا لتعليم القرآن الكريم سيعقد بعد أسبوعين من الآن في جدة بالمملكة العربية السعودية لإيجاد مشيخة تجمع كبار المهتمين والمساندين في مختلف دول العالم. ومن جهته قدم السيد محمد ادير بوشنان ممثل وزارة الشؤون الدينية والأوقاف عرضا مفصلا حول التجربة الجزائرية في تدارس وتحفيظ كتاب الله قائلا أن هذه البقعة من العالم الإسلامي احتضنت الإسلام منذ أن دخل هذه الديار واعتنقته وأقبلت على دراسته وتحفيظ القرآن الكريم للناشئة والأجيال من مختلف الأعمار. وأكد المتحدث أن القرآن الكريم هو هوية وحياة الأمة منوها بأن الجزائر يتواجد بها أكثر من 15 ألف مسجد ويؤمه عدد أكثر من هذا بكثير إلا انه أشار إلى أن ذلك يحتاج دائما إلى تأهيل وتأطير متواصلين للتماشي مع ركب الحضارة بكل المقاييس. كما قدم ممثل الجماهيرية الليبية الدكتور عادل الطاهر النجار عرضا مقتضبا عن تجربة بلاده في تعليم وتحفيظ القرآن الكريم والتي لاتختلف كثيرا -كما قال-عن التجارب الأخرى في أقطار دول المغرب العربي. ومن جهته قدم ممثل تونس الدكتور فتحي بوعجيلة تقريرا مفصلا عن المؤسسات القرآنية التونسية في تحفيظ كتاب الله للناشئة بطرق علمية وحديثة لتكوين شخصية الفرد بصفة متكافئة ومتوازنة بين الأصالة والمعاصرة. وكان بدوره الدكتور عبد العزيز القصار من المغرب قدم عرضا عن التجربة التعليمية لحفظ القرآن الكريم ببلاده الذي قال أنها ''لا تختلف كثيرا عن تجارب أقطار المغرب العربي بسبب التقاطع الجغرافي والتاريخي والثقافي والحضاري'' عارضا تجربة تعليم القرآن بدار القرآن الكريم بفاس بالمغرب الذي تأسست سنة 1975 وطريقتها في تعليم القرآن الكريم وذلك لتهيئة -كما قال- جيل مسلم قلبا وقالبا خدمة للدين الإسلامي والوطن. وقدم بعد ذلك الدكتور محمد محفوظ ولد ياد من موريتانيا ملخصا عن تجربة تحفيظ القرآن الكريم في بلاده والجهود المبذولة لتطوير المناهج التعليمة في تحفيظ كتاب الله وتعميمه لمختلف الأجيال. وتناول الحضور خلال النقاش عدة قضايا منها أن تحفيظ القرآن الكريم لا يقتصر فقط على تحفيظه بل تحفيظه وتعليمه للأجيال وما يلزم ذلك من التدبر في معانيه وأبعاده المختلفة والمحافظة على حدوده.