يعرف موسم الصيف والاصطياف ظهور عدد من الأنشطة التجارية التي تتزامن وموسم الحر والمنتشرة على طول الطرق المؤدية إلى شواطئ البحر، والتي يحاول أصحابها توفير عمل موسمي لهم يدرون منه ما تيسر من المال وأبطالها شباب من مختلف الأعمار لا يترددون في خوض غمار تجارب البيع والشراء خلال الصيف.. ومن أبرز هذه الأنشطة التجارية بيع قضبان الذرى المشوية والمملحة والتي يصطف من حولها عشرات المصطافين. وعلى غرار بيع كل ما له صلة بالصيف والبحر من مايوهات وفوط وألعاب، إلى جانب الفواكه والعصائر المختلفة الألوان والأذواق، والتي يصطف أصحابها على طول الطرق والمسالك المؤدية إلى شواطئ البحر، فإن لتجارة الذرى نصيب وفير من الشهرة والجاذبية وهي التي تستقطب المواطنين من كل مكان لاسيما المتوافدين منهم على شواطئ البحر وآخرون يأتون خصيصا للاستمتاع بالذرى المشوية التي أصبحت عادة يتنافس عليها الشباب ليرتفع عددهم سنة بعد أخرى. ولقد لمسنا هذه ''الظاهرة'' خاصة ببلديات شرق العاصمة وتحديدا ببلدية عين طاية المعروفة بشواطئها الخلابة والجميلة، حيث تجلبك رائحة الذرى المشوية من بعيد لتثير في نفسك الفضول وتسيل لعابك لتجد نفسك تقف أمام هؤلاء الشباب الباعة تنتظر دورك وحصتك من الطلب في طوابير طويلة تزيد من رغبتك في أكل الذرى المشوية التي أخذت تنتشر بشكل كبير أمام الإقبال المعتبر للناس. الذرى من الأرض إلى الشوي وتباع الذرى في شكل قضبان تنزع منها أوراقها الكبيرة التي تلفها بإحكام، والتي ستستعمل لاحقا في شكل صحون تقدم عليها الذرى المشوية، فهنا لا أثر للصحون أو الشوك أو المناديل فكل شيء يقدم على طبيعته ولا وجود لأية برتوكولات في التعامل وتقديم الوجبات كما هو الحال في المحلات ولعلّ هذا ما زاد في متعة أكل الذرى المشوية في الهواء الطلق ودون البحث عن أماكن للجلوس وأخذ راحتك لان أهم ما يميّز أكل الذرى هي السرعة لتجنب فقدانها لحرارتها وهو ما قد يفقدها لذتها. كما يتم تخليص قضيب الذرى من الألياف الرقيقة قبل أن يتم عرضها مصطفة ولك أن تختار بعدها الحبة والحجم الذي يعجبك ويشدك إليه بصرك ليوضع فوق فرن حديدي مليء بالفحم لتشوى فوقه لبضع دقائق فقط قبل أن تسحب وترش بالماء والملح وتقدم ساخنة لأصحابها فوق أوراق الذرى الطويلة، فيما يتنافس عدد من المصطافين حول أسرع من يأكل نصيبه. ولعلّ أهم ما يشدّك وأنت تجوب المناطق الفلاحية التي لم يغزها بعد الإسمنت بشرق العاصمة على غرار بلديات هراوة، عين طاية وغيرها هو انتشار زراعة الذرى التي تنضج في مثل هذه الأوقات من السنة، والتي تتم على مستوى المزارع التابعة للخواص من العائلات التي لا تزال تمارس مهنة زراعة الأرض وتحافظ على نمط معيشي يعتمد على ما تنتجه الأرض، وعليه فإن الباعة يجلبون الذرى مباشرة من المزارع ويقدمونها أكلا يباع للمارة والمصطافين دون أن يأخذك فكرك عن مصدرها ومنشئها. وما أن تجهز بعض المنتجات الفلاحية حتى يقوم الأبناء وأصحاب المنتوج ببيعها مباشرة ودون وسائط، وهو ما شاهدناه بعدة مسالك وأحياء، حيث يتم عرض الطماطم والفلفل والباذنجان ومختلف الخضروات الموسمية التي يشدك جمال شكلها ومنظرها، وهي التي ارتوت بالمياه النقية وتشبعت بأشعة الشمس والهواء النقي الخالي من الملوثات. تجارة مؤقتة.. ومربحة على الرغم من أن الوقت الذي يستفيد فيه تجار الذرى المشوية في ممارسة نشاطهم قصير جدا ومرتبط بمدى وفرة المنتوج واستمرار ارتفاع حرارة الصيف التي تجر المصطافين نحو شواطئ البحر ومنه ابتياع الذرى المشوية، إلاّ أن الأرباح التي يجنيها الباعة هامة وتستحق عناء وقوفهم ليل نهار أمام أفرانهم وتحمل الحرارة المنبعثة منها، والتي تضاف إلى حرارة الشمس لتضع الباعة في حمام ساخن يصعب تحمّله لولا الأموال المعتبرة التي يتم جنيها آخر النهار والخالية من أية ضريبة أو رسم على هذه التجارة الممارسة. ويباع قضيب الذرى المشوي ب30 دج للحبة الواحدة في حين يباع الكلغ الواحد من الذرى في الأسواق ب40 دج وبعملية حسابية صغيرة فإن واحد كلغ من الذرى يقابله حوالي أربعة قضبان متوسطة الحجم من الذرى وإذا بيعت الحبة ب30دج فإن فوائد الربح للكلغ الواحد لا تقل عن 80 دج وعليه فإن تجار هذه الصنعة الجديدة يحققون أرباحا معتبرة خاصة إذا علمنا أنهم يبيعون في اليوم الواحد 20 كلغ للبائع الواحد. ويتواجد بمنطقة برج البحري فقط نحو 50 بائعا ينتشرون عبر كل الطرق المؤدية نحو شواطئ المنطقة ويتنافسون على المناطق ''الاستراتيجية ''التي تعرف إقبال عدد كبير من المصطافين الذين ألفوا رائحة شواء الذرى وتعوّدوا على طعمها حتى أصبحوا لا يستغنون عنه، غير أن هذه التجارة وبقدر مساهمتها في استرزاق العائلات وإيجاد مناصب عمل موسمية ومؤقتة إلاّ أنها لا تخلوا من الإزعاج سواء من جانب الباعة أو حتى من المستهلكين. ويتسبب المصطافون المتوجهون نحو شواطئ شرق العاصمة بمركباتهم في إحداث اضطرابات في حركة المرور بفعل توقفهم العشوائي قبالة الباعة دون الأخذ بعين الاعتبار ما قد يتسببون فيه من طوابير السيارات التي تمتد إلى المدن، كما أن الفضلات وبقايا الذرى المستهلكة التي ترمى هنا وهناك من قبل الباعة والمستهلكين تعمل على تشويه المنظر العام وجمال المنطقة التي لا تزال تحتفظ بطابعها العذ