نزل خبر إعدام الرهينة الفرنسي ميشال جيرمانو على الطبقة السياسية الفرنسية كالصاعقة وهي التي دخلت في سباق ضد الساعة وبالقوة العسكرية أيضا من أجل إنقاذ حياته.وأكد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في بيان أمس أنه نفذ وعيده بإعدام الرهينة الفرنسي البالغ من العمر 78 عاما ''انتقاما لمقتل ستة من العناصر الإرهابية في عملية للقوات الفرنسية والموريتانية''. والواقع أن هذه النهاية المأساوية للرعية الفرنسية كانت متوقعة على أكثر من صعيد وخاصة منذ أن أقدمت قوة خاصة فرنسية على تنفيذ عمليتها في صحراء مالي في محاولة يائسة لتحرير المواطن الفرنسي ومنيت بفشل ذريع بعد أن تأكد أنه لم يكن رفقة المجموعة المستهدفة يوم السبت الماضي. وجعل هذا الفشل كل أصابع الاتهام توجه إلى السلطات الفرنسية وعلى رأسها الرئيس الفرنسي الذي زكى عملية الهجوم رغم عدم حصوله على ضمانات مؤكدة بإمكانية نجاحها بتحرير المواطن الفرنسي المختطف. ومهما كانت مسؤولية هذا الفشل فإن وقع الصدمة كان كبيرا في فرنسا وحتمت على الرئيس نيكولا ساركوزي استدعاء ''مجلس الدفاع والأمن'' وهو أعلى هيئة أمنية في فرنسا ويلجأ إليها في الظروف الاستثنائية جدا لمناقشة الوضع بعد عملية الإعدام. وللحد من سيل الانتقادات التي ينتظر أن تواجهها الحكومة الفرنسية فقد سارع مسؤول حكومي لم يشأ الكشف عن هويته إلى التأكيد أن باريس تلقت معلومات تؤكد أن ميشال جيرمانو أعدم منذ أسابيع. ولكن المسؤول الفرنسي وقع في فخ عملية شمال مالي التي أكدت وزارة الدفاع الفرنسية أنها نفذت من أجل تحرير ميشال جيرمانو من قبضة خاطفيه وهو ما يدفع إلى التساؤل حول الداعي إلى المغامرة بعملية لم تلق الترحيب مادام الرهينة الفرنسي قد أعدم منذ فترة. وهو تناقض واضح في مواقف الإليزيه الذي وجد نفسه فعلا في ورطة حقيقية وأدرك متأخرا سوء تقديره للوضع وخاصة وأنه لا يملك كل أوراق عملية اختطاف معقدة وتستدعي تسييرا لها على أعلى درجات الحذر والحيطة. وهي الحيطة التي افتقدتها السلطات الفرنسية هذه المرة وكلفتها مقتل رعيتها الذي راهنت على تحريره بقوة طائراتها وأجهزة رصد تحركات الأشخاص في صحراء الساحل الإفريقي. وتجلى تخبط السلطات الفرنسية في كيفية التعاطي مع هذه القضية المعقدة من خلال البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية الفرنسية التي أكدت أنه ''رغم الجهود التي بذلتها منذ اختطاف جيرمانو منتصف أفريل الماضي إلا أن الخاطفين رفضوا كل فكرة للتفاوض ولم يتقدموا بأي مطالب'' وهي حقيقة تذهب إلى نقيض تصريحات سابقة والتي أكدت السلطات الفرنسية من خلالها أن الخاطفين طالبوا بإطلاق سراح عدد من عناصر التنظيم الإرهابي المعتقلين في سجون دول المنطقة مقابل تحرير الرعية الفرنسي وهي المهمة التي فشلت فيها باريس فشلا كلف جيرمانو حياته. ويبدو أن السلطات الفرنسية تحركت على خلفية عملية المقايضة التي نجحت فيها مع هذا التنظيم عبر الحكومة المالية في قضية إطلاق سراح الجاسوس بيار كامات. وهي الصفقة التي تأكد أشهرا بعد ذلك أن ما وصفته باريس بالنجاح في إنقاذ حياة جاسوسها لم يكن إلا نجاحا ظرفيا وانعكس عليها سلبا عندما ترصد التنظيم الإرهابي للفرنسي المعدوم جيرمانو على أمل استعماله كورقة ضغط على باريس لدفعها إلى التحرك إقليميا لإطلاق سراح معتقلين آخرين كما حصل مع السلطات المالية شهر فيفري الماضي. ولكن الرهان فشل هذه المرة إذا علمنا أن إطلاق أربعة مسلحين مقابل إطلاق الجاسوس كامات أثار ضجة واسعة في كل إفريقيا التي جرمت كل عملية دفع الفدية من أجل إطلاق سراح الرهائن. وإذا سلمنا بتهديدات القاعدة باتجاه فرنسا ورد فعل فرنسا وعلى رأسها الرئيس نيكولا ساركوزي فإن الجانبين دخلا في مواجهة مفتوحة إذا أخذنا بتهديدات الرئيس الفرنسي محمل الجد عندما أكد أن هذه الجريمة لن تبقى دون عقاب''حتى وإن لم يحدد طبيعة هذا العقاب وكيفية تنفيذه. وتكون الجولة التي شرع فيها وزير الخارجية برنارد كوشنير منذ أمس إلى كل من مالي والنيجر وموريتانيا بداعي بحث إجراءات حماية الرعايا الفرنسيين في هذه الدول تدخل ضمن إطار مساعى فرنسا لمعاقبة تنظيم القاعدة في دول الساحل. ولكن كيف ستتمكن من ذلك وهو السؤال الكبير المطروح منذ سنوات حول سبل تحييد الظاهرة الإرهابية؟