أصدر رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة تعليمات للحكومة قصد الاعتماد على مقاربة تدريجية في عملية إصلاح الجماعات المحلية مؤسساتيا وجبائيا. وفي تعقيب رئيس الجمهورية على هذا الملف أوعز للحكومة أن تباشر مقاربة تدريجية، وشدد على ضرورة التركيز على الديمقراطية التشاركية والتسيير اللامركزي. وأشار الرئيس بوتفليقة في تدخل له بعد مصادقة مجلس الوزراء المجتمع أول أمس على مشروع قانون البلدية إلى أن إصلاح وتجديد الإدارة المحلية والمجموعات الإقليمية يكتسي أهمية كبيرة في إطار إصلاح هياكل الدولة بهدف إحداث تغيير جوهري يمكّن من إرساء دولة الحق والقانون القائمة على سيادة القانون وسلطانه. وأوضح القاضي الأول في البلاد أن هذا الإصلاح أصبح يفرض نفسه وهو ما يجعل الحكومة مطالبة بالعمل على إنجاحه كونه مرتبطا كذلك بإرساء أسس التنمية الاقتصادية القائمة على الاستثمار والتنافسية. وتعتبر المصادقة على مشروع قانون البلدية حدثا بارزا بعد سنوات من انتظار صدور هذا النص خاصة بالنظر إلى الأهمية التي يكتسيها في مجال إصلاح هياكل الدولة. كما أن المصادقة على المشروع تتزامن وبداية العد التنازلي للانتخابات المحلية القادمة التي لم يعد يفصلنا عنها إلا سنة ونصف. وطالب رئيس الجمهورية الحكومة بالأخذ بعين الاعتبار كل تفاصيل إصلاح البلدية وقال ''علينا إذن أن نحسن الإعداد لتحديث البلدية بنجاح باعتبارها فضاء أساسيا للحكامة والتنمية الجوارية''. وفي هذا السياق أوعز للحكومة بإشراك المجالس المنتخبة على الدوام في تشخيص الحاجات المحلية في مجال التنمية وبتعزيز التشاور بين الإدارة والمنتخبين بغية التوفيق بين الردود التي تقدمها السلطات العمومية وتطلعات المواطنين. ويرى الرئيس بوتفليقة أن إصلاح الجماعات المحلية يمر حتما عبر مواصلة الجهود من أجل إصلاح المجالس الشعبية الولائية، وعليه كلف الحكومة بالعمل عاجلا على تقديم مشروع القانون المتضمن قانون الولاية. وحسب مضمون البيان الصادر عن مجلس الوزراء فإن نص التشريع الجديد الخاص بالبلدية يراعي احترام النظام الديمقراطي والجمهوري القائم على سيادة الشعب ووحدة الدولة والتعددية الحزبية. ويتضمن المشروع جملة من القواعد تتوخى بالأساس ترقية استشارة المواطن من قبل المجلس الشعبي البلدي فيما يخص تحديد أولويات التنمية والتهيئة المحلية، في تكريس صريح لمجال الديمقراطية التشاركية، كما يتم كذلك تدعيم صلاحيات المجلس الشعبي البلدي ووضعية رئيسه، وإضفاء مزيد من الوضوح على صلاحيات المجلس الشعبي البلدي من حيث علاقته بالإدارة المحلية الخاضعة لسلطة الوالي ممثل الحكومة على أساس الغايتين المتمثلتين في تعزيز الديمقراطية المحلية واحترام الشرعية القانونية وتعزيز إجراءات تسوية النزاعات المحتملة بين المجلس المنتخب والإدارة المحلية، باللجوء إلى المحاكم الإدارية عند الاقتضاء، وتأمين استمرارية الخدمة العمومية بتعزيز استقرار المجالس الشعبية البلدية عن طريق توضيح أوفى للقواعد الواجب تطبيقها لانتخاب رؤسائها. وحرص المشرع الجزائري في إعداد النص على توضيح الكثير من النقاط السلبية التي كانت محل انتقاد من عدة أحزاب سياسية، تتمثل في حالات الانسداد التي تعرفها بعض المجالس، وفي هذا الشأن فإن المشروع يتضمن قواعد شفافة كفيلة بتجاوز حالات الانسداد التي يحتمل وقوعها أثناء التسيير، ووقاية الإدارة البلدية الخاضعة لسلطة رئيس المجلس من أي نزاع ناجم عن تضارب المصالح الحزبية، بما في ذلك النزاعات بين الأغلبيات المتعاقبة، وتعزيز تفرغ المنتخب للعضوية في المجلس الشعبي البلدي من خلال الحفاظ على مساره المهني. ولاحظ البيان أن كل العمليات السابقة التي تم تنفيذها ستساهم في تجسيد روح هذا المشروع في حال تمت الموافقة عليه من طرف البرلمان، فقد شرعت الوزارة المكلفة بالجماعات المحلية في تنظيم سلسلة دورات تكوينية لفائدة المنتخبين والأمناء العامين للبلديات وتعزيز تأطيرها بتوظيف خريجي الجامعات. وقد استفادت مالية البلديات على أوسع نطاق من إعادة تأهيل بفضل إسهام ميزانية الدولة المتمثل في إعادة شراء أقساط كبيرة من الديون وفي دعم سنوي كبير موجه لبرامج التنمية البلدية. كما تم تدعيم ضبط التسيير المالي للبلديات على وجه الخصوص بتعيين مراقبين ماليين وهو الإجراء الذي سيتم تعميمه سنة .2012 ويشكل اعتماد مشروع قانون البلدية من طرف مجلس الوزراء قفزة كبيرة في مجال إصلاح الإدارة المحلية كونه يستجيب بالدرجة الأولى لمطالب الطبقة السياسية التي رفعت هذا الانشغال منذ سنوات، كما أنه يستجيب أيضا لتطلعات المواطنين الذين كثيرا ما تتعطل شؤونهم المحلية بسبب صراعات حزبية بين أعضاء المجلس البلدي. كما يمثل هذا النص أيضا إطارا قانونيا للدولة بغرض معالجة وبصفة تدريجية مشاكل ديون البلديات من خلال تهيئتها تدريجيا لاقتحام ميدان الاستثمار والاعتماد على موارد مالية ذاتية تغنيها عن العودة للميزانية المركزية. وتنفيذ كل هذه العمليات سيفتح الباب أمام امتصاص كل الحركات الاحتجاجية التي تظهر من حين لآخر في جماعات إقليمية معينة تشتكي من تجاهل انشغالاتها، حيث سيمكن التصور الجديد لإصلاح البلديات من الحصول على الإمكانيات المالية الضرورية التي تمكنها من الاستجابة لأغلب الانشغالات المعبر عنها.