أثنى رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، الدكتور الشيخ بوعمران على موقف الداعين إلى استحداث منصب مفتي الجمهورية لكنه اشترط أن يكون مرفوقا بمجلس لعلماء الدين، داعيا إلى ترك أمر الإفتاء إلى أهل الذكر، داعيا المثفقين والمفكرين إلى الانخراط في الفعل الحداثي الذي لا يتناقض مع الدين الإسلامي. وأوضح الشيخ بوعمران في ندوة أمس بفوروم ''المجاهد'' حول ''الدين والحداثة في العالم الإسلامي'' أنه بقدر ما أن منصب مفتي الجمهورية ضروري في البلاد بقدر ما هو خطر، الأمر الذي يقتضي حسن إنشائه، ولعل ذلك ما يفسر مثلما قال التريث لتجسيده، وأضاف أنه قبل استحداث هذه المؤسسة الدينية في البلاد، يليق بكل الناس ألا يقربوا الفتوى الدينية ويتركوها لأصحابها من أهل الذكر، وليتكلم كل واحد في حدود اختصاصه لاسيما لدى المثقفين والمفكرين الذين هم مدعوون بحكم اشتغالهم في الحقل الفكري والثقافي، للانخراط في تنمية البلاد عن طريق كسب ناصية العلم والتكنولوجيا والتكيف مع تطورات العصر بالحفاظ على تقاليدنا وقيمنا الدينية، وهو ما يعني عند الدكتور بوعمران ''الحداثة'' في علاقتها بالدين. وأبرز المحاضر في هذا السياق، أن الإسلام لا يتعارض مع الحداثة لأنه منذ البداية أوصى بالاجتهاد الذي يعني التكيف مع التطورات في الزمان والمكان، موضحا أن الغرب المتقدم اليوم، كان بالأمس متخلفا عندما كانت الظلامية ثم الحروب والاقتتال، تميز قرونه الوسطى، وقبل أن ينتقل إلى عصر النهضة، أخذ أفكار التنوير والحداثة عن المسلمين وعلمائهم من أمثال، ابن رشد، الفارابي، الكندي، ابن طفيل، وغيرهم من العلماء في مختلف التخصصات، كالخوارزمي في الجبر والرياضيات وابن سينا في الطب، وآخرون في الفلك والطبيعة. وأشار المتحدث في شرحه للعلاقة بين الدين والحداثة إلى أن الدين الإسلامي لم تواجهه إشكالية الحداثة على عكس الديانة المسيحية، حيث طرحت اللائكية (فصل الدين عن الدولة) من أجل تجاوز الحروب التي ميزت أوروبا في القرن الثامن عشر، فكان في فرنسا أن قدمت الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان اليوم) حلا تمثل في الفصل بين الكنيسة والجمهورية (الدولة) أي اعتماد اللائكية لتجاوز فوضى الاقتتال والحروب، نحو مجتمع حداثي، لكن رواسب هذا التحول لا تزال تطفو إلى السطح إلى يومنا هذا، على غرار ما يجري في فرنسا (منع الحجاب.. ومعاداة الإسلام في بعض البلدان الأوروبية). وذكر رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، أن بعض المستشرقين اتهموا الإسلام بالجمود والتعصب، بسبب جهلهم بحقيقة الدين الإسلام أو لأنهم حكموا على سلوكات بعض المسلمين التي هي بعيدة عن روح هذا الدين ولا تمت بصلة إلى الحداثة أو الاجتهاد الذي يدعو إليه ديننا الحنيف الذي يحث على التسامح واحترام الديانات الأخرى ومعتنقيها، حيث أكد أنه ''لا إكراه في الدين''، ''فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون''. وأضاف الشيخ بوعمران أن المتعصبين موجودون في الديانات الثلاثة (اليهودية، المسيحية، الإسلام) مشيرا إلى أن التعصب الذي تعرفه الدول اللائكية في بعض محطاتها التاريخية ابتداء من القرن 19 نابع من الإفراط في الماديات وهيمنة الإمبريالية حيال المجتمعات الأخرى، أما معاداة الحداثة في سلوكات بعض المسلمين فنابع من مظاهر التخلف التي تتعارض مع الدين الإسلامي نفسه (الوعدات ، تقديس الأولياء الصالحين، ومحاولة معاداة كل مظاهر العيش في الغرب المتقدم).