جفاء الزوج جرح أكثر ألما من ألم السرطان.. هكذا تقول الأخصائية النفسانية بمركز بيار وماري كوري لمرضى السرطان عقيلة حزايمية، والتي أظهرت تجربتها في علاج المصابات بسرطان الثدي أن أغلب مشاكل هذه الفئة اجتماعية ليست طبية بالدرجة الأولى، موضحة أن العديد من المصابات المتزوجات لسن بحاجة إلى شفقة بل إلى مساندة الزوج الذي يتسبب جفاؤه في تعقيد حالة المريضة، وتعرضها للانهيار العصبي. نساء بحاجة لأن يشفين من الإحساس بالخذلان بعد انفصالهن عن أزواجهن نفسيا أو بحكم قضائي، هي الحقيقة التي تخص العديد من النساء ممن استهدفهن سرطان الثدي أو المرض الذي أصبح من أول أسباب وفاة المرأة في الجزائر. وتتحدث الطبيبة النفسانية على ضوء تجربتها التي امتدت على 17 سنة، قائلة: ''في كل الحالات تكون المصابة، ومهما كانت إصابتها بحاجة إلى المرافقة النفسية مراعاة للتغييرات النفسية التي قد تصيبها بدرجات عالية من القلق والاكتئاب النفسي.. وقد يصل الاكتئاب إلى حد الانهيار العصبي عندما تصطدم الزوجة برد فعل شريك الحياة الذي يتخلى عنها في أحلك ظروفها''. 7 بالمائة من المصابات تعرضن للإهمال والتهديد بالطلاق الانكسار، الإحباط والاستسلام لهاجس الموت هي عموما حالات نفسية تطوف حول المصابات بمجرد اكتشاف حقيقة المرض الصامت الذي يتوغل في الخلايا، والحقيقة هي أن لخبر الإصابة بسرطان الثدي وقعا كبيرا على نفسية النساء، وبعض الحالات التي لا تتقبل المرض الخبيث تصاب بالانهيار العصبي، وهي تشكل عادة نسبة 15 بالمائة.. أغلب الحالات اللواتي تعرضن للانهيار العصبي يحملن في أعماقهن جرحا غائرا أحدثه تخلي شريك الحياة عنهن، تكشف المختصة النفسانية. 7 بالمائة تقريبا من المصابات المتزوجات اللواتي يخضعن للعلاج بمركز بيار وماري كوري - تضيف محدثة ''المساء'' - تعرضن للإهمال والتهديد بالطلاق، ولهذا السبب فإن المريضات المتزوجات تتعقد حالاتهن أكثر جراء تخلي الشريك عنهن والتفكير في مصير الأبناء بعد الموت.. لكن هذا لا ينفي وجود رجال يعتنون بزوجاتهم المريضات ويحرصون على مرافقتهن إلى المركز لتلقي العلاج. وتعلق الطبيبة النفسانية على الظاهرة بالقول: ''لا أحد منا بمنأى عن الإصابة بالمرض الخبيث، لكن المرافقة النفسية والاجتماعية من شأنها أن ترفع مؤشرات الشفاء إلى 90 بالمائة، وسند الزوج في هذه الحالة ضروري جدا لرفع معنويات شريكة الحياة، حيث أظهرت التجربة أنه يساعد على الشفاء بنسبة 50 في المائة''. وفي المقابل تعاني النساء العازبات المصابات بسرطان الثدي من جرح نرجسي جراء استئصال الثدي المصاب، ويطوقهن الشعور بالخيبة والمرارة جراء التفكير بمسألة انعدام فرص الزواج لديهن، منهن مراهقات تقل أعمارهن عن 15 سنة، حيث يشكلن نسبة 1 في المائة من مجموع المصابات بحسب تقديرات الأخصائية النفسانية. وجاء في معرض حديث المختصة أنه يمكن للحالة النفسية للمريضة أن تستقر نسبيا بعد أربع أو خمس جلسات من العلاج النفسي، لكن مع الالتزام بالمتابعة النفسية المستمرة حتى لا يقعن مجددا فرائس للانكسار النفسي، فضلا عن تشجيعهن على الاستفادة من تكوينات في المجالات المتاحة لامتصاص الفراغ الذي قد يجعلهن عرضة للأفكار السلبية. بين ألم المرض وألم الخذلان وتؤكد من جهتها رئيسة جمعية الأمل لمساعدة المصابين بالسرطان حميدة كتاب أن المرأة المصابة بالسرطان تعاني بالإضافة إلى غلاء الأدوية والألم والإحباط من تبعات الطلاق الذي يجعلها ترمى كما يرمى الثوب البالي، وهذا ما يضاعف من معاناتها، فعدة حالات كان مصيرها الطلاق، لاسيما الحالات التي تم فيها استئصال الأثداء، وهو سلوك تنعدم فيه روح الإنسانية. وتتابع: ''إن هذه الفئة بقدر ما تحتاج إلى العلاج والرعاية تحتاج إلى المرافقة النفسية لتجاوز الحالة النفسية الصعبة التي تمر بها، خاصة مرافقة الأسرة، وتأتي في المقام الأول مرافقة الزوج''. وبلغة الأرقام تشير مسؤولة جمعية الأمل إلى أن 10 نساء يتوفين يوميا في الجزائر بسبب سرطان الثدي، مما يجعل مسعى إرساء مخطط وطني لمكافحة انتشار سرطان الثدي يرتكز على قاعدة التوعية وإتاحة سبل التشخيص المبكر مطلبا ملحا. وأملا في رفع تحديات أكبر لمواجهة الورم الخبيث كان الأمل هو الاسم المختار للميثاق الذي وقعت عليه مؤخرا النساء البرلمانيات خلال يوم برلماني بمناسبة الشهر العالمي لسرطان الثدي للانضمام إلى جمعية الأمل المتضامنة مع هذه الشريحة منذ .1994 وبرأي السيدة فاطمة جاب الله، نائب بالمجلس الشعبي الوطني، فإن تضامن البرلمانيات مع شريحة النساء المصابات بسرطان الثدي سيتم من خلال المطالبة بسن نصوص تشريعية تضمن التكفل بالمصابات ووضع الآليات اللازمة للتخفيف من معاناتهن، إلى جانب تحسيس السلطات المعنية بأهمية التكفل بهن في رحلة العلاج، لأن النصوص القانونية الموجودة تكاد تعد على الأصابع، وبالموازاة مع ذلك لا تساير الواقع. وبحسب البرلمانية فإن تضاعف نسبة الإصابة بسرطان الثدي في الجزائر خمس مرات على مدار 20 سنة أمر يدعو لترقية التكوين الطبي الخاص بالتشخيص ودعم الاقتراحات المطروحة بآليات سريعة لوضع مخطط وطني في أسرع وقت ممكن. كيف نحد من نسبة الوفيات التي يسببها سرطان الثدي؟ يبقى هذا التساؤل محور الانشغال الأساسي أمام الزحف المستمر للورم الخبيث الذي يستهدف 9 آلاف امرأة سنويا وفقا لتصريحات الدكتورة شيبان، وهي طبيبة مختصة بمركز بيار وماري كوري. وتقول الطبيبة المختصة إن عدة حالات يتم استقبالها في وضع جد متطور، وهو الأمر الذي ينطبق بصفة خاصة على نساء المناطق الجنوبية. ويقدر متوسط سن الإصابة بسرطان الثدي ب 45 سنة - تضيف الدكتورة - حيث يبرز التشخيص المبكر، خاصة للنساء اللواتي تخطين الأربعين، كحل أمثل لمواجهة انتشار هذا المرض الذي يستهدف الجنس اللطيف، وذلك بالاعتماد على الحملات التحسيسية. ويمكن للكشف المبكر أن يحد من نسبة الوفيات عموما بنسبة 30 في المائة، وقد تصل النسبة إلى 35 في المائة بالنسبة لشريحة النساء اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 50 و69 سنة، كونه يجنب المرأة استئصال الثدي والعلاج الثقيل، بحسب توضيحات الدكتورة شيبان.