رغم الجهود المبذولة في مجال التحسين الحضري وتحسين حركة النقل والتنقل بالعاصمة، وما يتم تحضيره من تنويع في وسائل النقل من ترامواي وميترو وحافلات وغيرها، إلا أن المختصين في التهيئة الحضرية يعتقدون أن مدينة الجزائر العاصمة ومجالها المتروبولي بحاجة إلى استراتيجية شاملة، مندمجة ومتكاملة تأخذ في الحسبان التحولات العمرانية والاقتصادية والاجتماعية، ولا تكفي تلك الرؤية المركزة على حركة المرور والنقل الحضري. وكشف الدكتور فوزي بودقة المتخصص في التهيئة الحضرية والأستاذ المحاضر بكلية علوم الأرض والجغرافيا والتهيئة العمرانية بجامعة هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا في تصريح ل''المساء'' عن ضرورة الحركة باتجاه الضواحي والمدن الداخلية المستقبِلة كالهضاب العليا وتشجيع الاستثمار بها لتوفير مناصب العمل والهياكل الإدارية الضرورية، لتفادي الهجرة الداخلية بحثاً عن العمل، وقضاء حوائج يمكن توفيرها بالمنطقة. ولم يخف مصدرنا أن الدولة حققت في هذا الإطار أمورا هامة في دفع عجلة التنمية المحلية وتواصل توفير العديد من الهياكل والمنشآت القاعدية التي من شأنها التخفيف من حدة الاختناق المروري على المدن الكبرى، وعلى رأسها الطريق السيار شرق - غرب والطرق الاجتنابية، ويستحسن - يقول الأستاذ بودقة- أن يصاحب ذلك مشاريع أخرى، تساعد على توجيه حركة النقل والتنقل أكثر بالمناطق الداخلية. أما بالنسبة للعاصمة فأشار محدثنا إلى أن الضغط سيبقى يزداد يوماً بعد يوم، وسوف يبقى النقل يسبب الاختناق والتلوث والضجيج، مما يشكل عائقاُ في مختلف المجالات، مشيراً إلى أنه رغم فتح المجال للخواص للاستثمار في قطاع النقل، فإن ذلك بحاجة إلى تنظيم. وبرأيه فإن الحل يكمن في التهيئة القُطرية والنظام الحضري على غرار المدن العالمية الكبرى التي تخلصت من هذا المشكل. وقال الأستاذ بودقة صاحب دراسة حول ''منظومة النقل الحضري والتنمية العمرانية المستدامة بمدينة الجزائر'' أن قضية التخطيط العمراني والحركة والنقل والمرور تعد إحدى أهم القضايا التي تعاني منها مدن العالم أجمع، وقد كانت الدول الغربية سباقة في إحداث توفيق بين التخطيط العمراني والحركة والنقل والمرور، خاصة وأن حركة المرور تتسبب فى 75 من ضوضاء المدن، وأن تقديرات المختصين الأخيرة تؤكد أن النقل العمومي الاستراتيجي مترو، ترامواي، قطار وحافلة سيضمن 65 من مجموع التنقلات، وهذا من شأنه التخفيف من حركة المرور بنسبة ملحوظة قد تصل إلى 35 مما هي عليه اليوم، وأنه عند الشروع في استغلال هذه الوسائل الاستراتيجية ستخلق ثقافة جديدة للنقل والتنقل، فأغلب الموظفين سوف يختارون الوسيلة الأسرع والأقل تكلفة مثلما هو موجود بأوروبا، وبذلك تبقى السيارة مخصصة للعائلة أو لأغراض سياحية، كما ينتج عن تغيّر هذه السلوكات توفير الوقت والهواء النقي وقلة الضجيج، وما ينعكس عنها على الحياة الاقتصادية والسياحية والاجتماعية. وفي انتظار هذه المشاريع الاستراتيجية يبقى سكان العاصمة وزوارها ينتظرون تحريرها من تلك الزحمة الدائمة التي تلازمها، لا سيما في أوقات الذروة التي تفرض على صاحب المركبة الآتي مثلا من الرغاية أو الرويبة أو برج الكيفان قطع المسافة نحو وسط العاصمة في وقت يصل إلى أربعة أضعاف الوقت الحقيقي، وما يترتب عنه من تأخر في الوصول إلى أماكن العمل والدراسة.