تثمين أداة الإنتاج الوطنية وضمان الشفافية في تسيير المال العام استجابة لحرص السلطات العليا في البلاد على إضفاء المزيد من الشفافية على عملية إسناد المشاريع العمومية وتعزيز الإجراءات المتخذة في مجال محاربة الفساد وقناعة منها بأهمية تشجيع المؤسسات والمنتجات الوطنية، لا سيما بعد ما عاشه العالم من تداعيات أزمة عالمية خانقة جرت معها كبريات المؤسسات في عدوى الإفلاس المحتوم، سارعت الحكومة إلى إدخال تعديلات جديدة على قانون الصفقات العمومية، أقرت من خلالها تحفيزات هامة لصالح المنتجات المحلية ومعاملة تفضيلية للمؤسسات الوطنية بغرض إنعاشها. كما شكل البرنامج الاستثماري العمومي الضخم الذي رصدت له الدولة 286 مليار دولار دافعا منطقيا، لإقرار مراجعة قانون الصفقات العمومية، وفرض الالتزام بتدابير هذا القانون، الذي جاء لتثمين وإعادة الاعتبار لأداة الإنتاج الوطنية وتشجيع الكفاءات الجزائرية، من خلال إدراج حصص تفضيلية تستفيد منها المؤسسات الوطنية العمومية والخاصة. وقد تناولت وثيقة مصالح الوزارة الأولى المتضمنة التدابير المتخذة خلال الفترة الأخيرة من قبل الحكومة لفائدة التشغيل والاستثمار والنمو الاقتصادي، أبرز الإجراءات التي تم إقرارها لترقية الأداة الوطنية للإنتاج في إطار مراجعة قانون الصفقات العمومية، حيث شملت هذه الإجراءات في المقام الأول، تشجيع المصالح المتعاقدة على اللجوء إلى تجزئة المشاريع كلما كان ذلك ممكنا، من اجل تمكين المؤسسات الجزائرية من المشاركة بشكل فعال في إنجاز برامج الاستثمار العمومية. كما أقر القانون الجديد منح المنتجات من مصدر جزائري، أو تلك التي تنتجها مؤسسات خاضعة للقانون الجزائري والتي يحوز فيها المتعاملون الوطنيون المقيمون نسبة الأغلبية في رأس المال، هامشا تفضيليا بنسبة 25 بالمائة. في حين يلزم نفس القانون المؤسسات الأجنبية المتعهدة في الصفقات العمومية بالاستثمار بالجزائر في إطار شراكة مع مؤسسة أخرى خاضعة للقانون الجزائري يحوز رأسمالها متعاملون وطنيون مقيمون. من جانب آخر، ينص قانون الصفقات العمومية الجديد على تحديد شروط القابلية للتعهد في دفاتر شروط المناقصات المحدودة وفق طبيعة المشروع وتعقده وأهميته، بشكل يسمح للمؤسسات الخاضعة للقانون الجزائري بالمشاركة في المناقصات في ظل احترام الشروط المرتبطة بنوعية الإنجاز وآجاله، كما يلزم المصالح المتعاقدة باللجوء إلى المناقصة الوطنية عندما يكون الإنتاج الوطني أو أداة الإنتاج الوطنية كفيلين بالاستجابة لحاجات هذه المصالح. وفي إطار دعم إجراءات مراقبة تحويل أرباح الشركات الأجنبية إلى الخارج، اقر القانون الجديد تدابير تحفيزية لصالح هذه الشركات المتعهدة، لحملها على تقليص الحصة القابلة للتحويل في الصفقة، مع حصر عملية تحويل العملات الصعبة وتأطيرها عند تنفيذ الصفقات العمومية، في إطار المناولة وكذا في إطار تجميع مؤسسات مختلطة، علاوة على تيسير اللجوء إلى المنتجات من مصدر جزائري والاندماج في الاقتصاد الوطني، وتشجيع اللجوء إلى الحصص أو المنتجات التي تخضع للمناولة في السوق الجزائرية. وتجدر الإشارة إلى أن أحكام القانون الجديد للصفقات العمومية، تهدف بالأساس إلى تحقيق ثلاث غايات رئيسية، هي تيسير إجراءات الموافقة على الصفقات العمومية في كنف الشفافية في تسيير الأموال العمومية وفي تعزيز أدوات الوقاية من الفساد ومحاربته وترقية مشاركة المؤسسات والإنتاج الوطنيين في تلبية الطلب العمومي. ولذلك تم تعزيز التشريعات بوضع آليات للتنفيذ والمتابعة، على غرار توسيع عدد لجان الصفقات الوطنية من اثنتين إلى ثلاث تتكفل إحداها بالأعمال والأخرى بالدراسات والثالثة بالتموينات، إلى جانب تخفيف النظام الداخلي لمختلف لجان هذه الصفقات وتكليف لجنة الصفقات بمراقبة سلامتها. وبعد أشهر قليلة من اعتماد القانون الجديد شرعت مختلف القطاعات في تطبيق مضمونه، ولا سيما فيما يتعلق بمسألة اللجوء إلى مناقصات وطنية لإنجاز المشاريع التنموية المسجلة في برنامج النمو للسنوات القادمة، حيث تقيدت العديد من القطاعات ذات الصلة ببرنامج النمو الخماسي، بالتوجيهات الجديدة للسلطات العمومية فيما يخص عملية إسناد المشاريع للمؤسسات الوطنية دون غيرها، خاصة عندما تكون المؤسسة الوطنية تملك المؤهلات الضرورية والكافية لتنفيذ المشاريع. كما تجلى تنفيذ الإجراءات الجديدة لقانون الصفقات العمومية في الدعم المعتبر الذي خصصته الدولة للمؤسسات الوطنية العاملة في قطاع الأشغال العمومية، والذي بلغت قيمته الإجمالية 120 مليار دولار، تستفيد منها 51 مؤسسة انجاز ومكتب دراسات، في مجال التطهير المالي، ودعم تجهيزها واستثماراتها وترقية مواردها البشرية من خلال التكوين والتأهيل، مقابل إنعاش أدائها ودورها في الميدان، وترقية إسهامها في برامج التنمية الوطنية.